يتجسد معنى جامعة الدول العربية في التزامها بميثاقها وأهدافها ومبادئها في عدة مسارات أهمها وأبلغها تجديد مكانة المبادرة العربية في السياسة الرسمية العربية، على أساس تنفيذ نصوصها من الألف إلى الياء دون السماح بشطب بند فيها أو تفريغها من مضمونها، حيث باتت مرجعية دولية للحل السياسي للصراع العربي الفلسطيني- الإسرائيلي.. فجامعة الدول العربية أكبر من إطار عربي رسمي وحاضنة على هذا المستوى للقضية الفلسطينية، ذلك أنها تمثل أمل الأمة العربية في تكوين قوة عربية اقليمية متجانسة موحدة، قادرة على أخذ موقعها اللائق بها، وتجديد وتحديث مكانتها الحضارية، وهذا بالنسبة لنا التحدي الأكبر الذي سيمكننا من مواجهة مشروع الاستعمار والاحتلال الصهيوني العنصري الذي روج له لدى شعوب الدول الاستعمارية التي أوجدته وصنعته على أنه خط الدفاع الأول عن المدنية والحضارة الأوروبية لمواجهة حالة مضادة في المنطقة العربية. ونظرتنا هذه نابعة من إيماننا بأن الشعب الفلسطيني جزء لا يتجزأ من الأمة العربية ووطننا فلسطين جزء لا يتجزأ من أرض الوطن العربي الكبير.
نعلم جيدًا أن قرارات الجامعة العربية تصدر بالإجماع، وأن قرارات القمة العربية ملزمة لمن يقبلها حسب المادة 7 من ميثاقها ونصها: "ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزماً لجميع الدول المشتركة فى الجامعة، وما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزما لمن يقبله، وفى الحالتين تنفذ قرارات المجلس فى كل دولة وفقا لنظمها الأساسية". ووجب التذكير بالمادة الرابعة من بروتوكول الاسكندرية باعتباره أول وثيقة للجامعة نص في المادة 4 على: "لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين من دول الجامعة كما لا يجوز اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أي دولة من دولها. وفي الوقت ذاته لا نغفل عن أن ميثاق الجامعة قد ثبت حق الدولة العضو بالجامعة عقد اتفاقات خاصة مع دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها لا تتعارض مع نصوص هذه الأحكام وروحها.
نؤمن بالعمق الاستراتيجي العربي لفلسطين ولقضيتنا العادلة، فالارتباط وثيق بين جذورنا الثقافية مع جذور أمتنا العربية، كإيماننا بوحدة المصير، وبرؤيتنا الواقعية للمستقبل، حيث يمكن توظيف كل مقدرات وقدرات الأمة لتحقيق آمالها وأهدافها، بما يمكننا ويمكن الأمة معنا من الانتقال من مرحلة التحرر والاستقلال إلى مرحلة التقدم والانجازات العظمى، فجامعة الدول العربية انشئت في العام 1945 قبل إنشاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بهدف الحفاظ على استقلال الدول الأعضاء وتحرير البلاد العربية ومساعدتها على تحقيق الاستقلال، قد نصت المادة الثانية من ميثاقها على: "الغرض من الجامعة توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية، تحقيقًا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة فى شؤون البلاد العربية ومصالحها".
للتذكير فإن وثائق الجامعة العربية منذ نشأتها وتحديدا فيما يسمى بروتوكول الاسكندرية قد أكدت على أن استقلال فلسطين هو من الحقوق الثابتة وصدرت عنها مئات القرارات على مستويات عدة، منها الصادر عن أعلى سلطة فيها (القمة العربية) ويعنينا في هذا المقام المبادرة العربية التي قدمها الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولي عهد المملكة العربية السعودية– رحمه الله- للقمة العربية في العام 2002 في اجتماعها في العاصمة اللبنانية بيروت، التي كتب في نصوصها ووقع المجتمعون عليها انطلاقاً من اقتناع الدول العربية بأن الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام أو الأمن لأي من الأطراف:
1- يطلب المجلس من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم، معلنة أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي أيضاً. 2- كما يطالبها بالقيام بما يلي:
أ- الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو- حزيران 1967 والأراضي التي لا تزال محتلة في جنوب لبنان. ب- للتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. ج - قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتكون عاصمتها القدس الشرقية. 3- عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي:
- اعتبار النزاع العربي- الإسرائيلي منتهياً، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.
- إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها