الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية هو أخطر أنواع الاحتلالات، فحسب القانون الدولي، فان التعريف البسيط التقليدي، هو احتلال جيش معاد لأرض شعب آخر بالقوة العسكرية. والاحتلال بهذا المعنى وفي الغالبية العظمى من الاحتلالات، لا يرتبط برواية تاريخية تدعي ملكية المكان التاريخية. أما الاحتلال الإسرائيلي فهو احتلال عسكري أيديولوجي يدعي الملكية التاريخية للمكان، لذلك هو يجادل بأنه ليس احتلالاً، بل هو "صاحب الأرض الأصلي" لذلك بادرت إسرائيل إلى ضم القدس بعد أيام من احتلالها للضفة في حرب حزيران/ يونيو 1967.
خطورة الاحتلال الإسرائيلي انه يعتبر روايته وادعاءاته أهم من القانون الدولي، وأن هذا القانون هو ما دون الرواية التي يعطيها صفة القداسة. انطلاقًا من ذلك لم تعر إسرائيل أي أهمية لقرارات الشرعية الدولية، وواصلت سياستها في الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، وبناء المستوطنات عليها، وتواصل سياسة التهويد والتهجير القسري لأصحاب الأرض الاصليين تحت حجج واهية. وانطلاقا من اعتقادها بأنها المالك التاريخي للارض، أعطت لنفسها الحق بتدمير البيوت الفلسطينية، وبهذا السياق دمرت آلاف المنازل، واقتلعت عشرات آلاف الأشجار وغيرها من المنشآت الفلسطينية.
صحيح أن المجتمع الدولي لم يعترف بالاستيطان والتهويد الإسرائيلي، ومجلس الأمن والأمم المتحدة أصدرت عشرات القرارات التي تؤكد عدم شرعية الإجراءات الإسرائيلية، ودعت لوقفها بل والى تفكيك المستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية، إلا أن إسرائيل، المتمسكة بروايتها الزائفة، كانت تجد بعدم الحزم الدولي تجاه ممارساتها فرصة للاستمرار وبوتائر متسارعة، وان تتصرف بانها دولة فوق القانون ولا تخدع للمحاسبة والمساءلة.
من هنا أكدنا أن إعلان الرئيس الأميركي ترامب بأن القدس عاصمة لإسرائيل، هو انتهاك للقانون الدولي، ونوع من التبني الأميركي الرسمي للرواية الإسرائيلية. ومن هنا جاء اعتراضنا على اتفاق السلام الإسرائيلي الإماراتي، ليس فقط انه خروج عن الاجماع العربي، والمبادرة العربية. وانما لانه جاء في توقيت خاطئ، وبدا انه يوافق على قرار ضم القدس ونقل السفارة الأميركية لها. بهذا المعنى كان الاتفاق ضارًا للمصالح الفلسطينية والعربية العليا، وعلى هذا الأساس جاءت الدعوات الفلسطينية للأشقاء في الامارات للتراجع عن الاتفاق.
إن أي تساهل مع الادعاءات الأيديولوجية، والرواية الصهيونية، هو من الناحية العملية انكار للحقوق الوطنية الفلسطينية، وإعطاء شرعية للاحتلال، الذي هو غير قانوني بغض النظر عن ما تقنع إسرائيل نفسها بروايتها الزائفة. نحن هنا لسنا بصدد تقييم اتفاقيات السلام العربية الثلاث التي تم توقيعها مع إسرائيل، فمصر بموجب اتفاقها استعادت أراضيها في سيناء بموجب القرار 242. والأردن فعل الشيء ذاته، كما أن اتفاق أوسلو استند للقرار ذاته ومبدأ الأرض مقابل السلام.
المهم في أي اتفاق سلام ألا يبدو العرب كأنهم يسمحون بشرعنة الاحتلال الإسرائيلي، ومن هنا جاءت أهمية المبادرة العربية التي ترفض الإملاءات والرواية الصهيونية التي تدعي الملكية التاريخية للأرض.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها