مما لا شك فيه أن وباء الكورونا شكل لحظة فارقة في حياة الشعوب عمومًا والشعب الفلسطيني خصوصًا، وترك آثارًا سلبية على دورة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي كل مناحي ومجالات العمل. الأمر الذي دفع العديد من الشعوب إلى تدوير زوايا المواجهة للجائحة. لا سيما وأن سياسة الإغلاقات للمصانع والمؤسسات ولدورة الحياة عكست نفسها سلبًا على المجتمع ككل، ونجمت عنها أزمة اقتصادية حادة عالميًا وعلى مستوى كل دولة على انفراد.

ولو تركنا القراءة العالمية الناجمة عن الجائحة جانبًا، وتوقفنا أمام الواقع الفلسطيني، فإننا سنجد، أن الوضع في غاية الصعوبة والتعقيد، منها أولاً نحن دولة تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولا نملك السيطرة على الحدود، ولا على المعابر، ولا على الأجواء أو المياة الإقليمية؛ ثانيًا الاقتصاد الفلسطيني نتاج الخضوع التاريخي لسطوة وتغول الاقتصاد الإسرائيلي، مازال خاضعا بشكل شبه كلي للمنظومة الجمركية الإسرائيلية الاستعمارية؛ ثالثًا حتى المسألة النقدية مرتبطة ارتباطًا عضويًا بالدوامة النقدية الإسرائيلية؛ رابعًا كل إجراءات السلامة الفلسطينية تم اختراقها، والتشويش عليها من قبل دولة الاستعمار الإسرائيلية، وسعت المنظومة السياسية والأمنية الاستعمارية لتقويض أيّة ملامح لاستقلال السلطة الوطنية .. إلخ.

هذه بعض العوامل الرئيسية المتعلقة بالواقع الاقتصادي وسوق العمل الفلسطينية، والمرتبطة ارتباطًا عميقًا بالمسألة الاجتماعية وكافة العمليات الأخرى في الساحة، فضلاً عن أزمة الانقلاب الحمساوي وأثره على دور المنظومة السياسية والقانونية والاقتصادية والصحية، والتي تخضع لقيود وكوابح إسرائيلية تاريخية، ليس من السهل الانفكاك منها إلا بالاستقلال الوطني الكامل، وتحرر السوق الوطنية من كل كوابح التبعية للمنظومة الاقتصادية والسياسية وغيرها.

ما أريد التوقف أمامه، هو مجموعة الإجراءات، التي أعلنت عنها لجنة الطوارئ الوطنية، وعلى أهميتها من حيث المبدأ، لكنها أثبتت بالتجربة العملية خلال الأيام والشهور القليلة الماضية، أنها لم تحقق الأهداف المرجوة منها، نتاج اصطدامها بكم العقبات الإسرائيلية الاستعمارية، ولو أخذنا على سبيل المثال نموذج إغلاق أيام الجمعة والسبت من كل اسبوع، ماذا وجدنا بآخر اسبوع، لاحظنا أن دولة الاستعمار فتحت بوابات وثغرات لاندفاع المواطنين الفلسطينيين لأراضي الـ48، وأنفق أبناء الشعب الفلسطيني في يوم أو يومين ما مقداره حوالي 80 مليون شيقل بالحد الأدنى، لأن رسم الدخول لكل مواطن كان 200 شيقل، وهو ما أعلنت عنه سلطات الاستعمار نفسها، وسأفترض أن كل مواطن صرف بالحد الأقصى 200 شيقل، تكون النتيجة ما ذكرته آنفا. فضلاً عن ذلك، يتم إغلاق مثلا محافظة رام الله والبيرة وكفر عقب المحاذية لها مفتوحة، الحل بالنسبة للمواطن الذهاب لكفر عقب والتسوق منها. الدرس والعبرة يكون بفتح الأسواق في مدن المحافظات الشمالية لتستمر الدورة الاقتصادية في الأسواق الفلسطينية، وليعود المردود على الاقتصاد الوطني.

النتيجة المنطقية، والتي تستجيب لمصالح المواطن والشعب والاقتصاد تكون بالعمل على الآتي: أولاً التشديد على الحمائية الوقائية في أوساط الجماهير الفلسطينية من حيث التباعد، واستخدام الكمامات، وغسل الأيدي، منع التجمعات مثل الأفراح وبيوت العزاء والفعاليات والأنشطة السياسية والثقافية والرياضية وغيرها من عوامل الوقاية؛ ثانيًا فتح الأسواق بِشكلٍ كامل دون قيود بما في ذلك أيام الجمعة والسبت؛ ثالثًا المناطق التي تتعرض لزيادة انتشار الوباء فيها، يتم إغلاقها مؤقتًا لضبط الحمائية في أوساط الناس؛ رابعًا تتابع وزارة الصحة وطواقمها المختصة مع أجهزة الأمن مراقبة الالتزام بالتعليمات والبروتوكول الطبي من قبل أبناء الشعب في كل المحافظات، وفرض العقوبات على المخالفين؛ خامسًا أدعو لاسترداد أموال  المقاصة عبر طرف ثالث وليكن الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي لتثبيت معايير جديدة تسقط عمليا بروتوكول باريس، ولا يجوز الربط بين تحصيل الأموال الفلسطينية وفق المعيار الجديد والتحلل من الاتفاقات، لأن الطريقة الجديدة لا تعني بحال من الأحوال إبقاء الاتفاقات، ولا تعني بحال من الأحوال عودة التنسيق تحت أي مسمى إلا إذا عادوا عن قرار الضم وألغوا صفقة العار الترامبية.... إلخ.

ومن موقع المسؤولية الشخصية والوطنية أدعو جميع جهات الاختصاص إلى التوقف بمسؤولية تجاه الذات والشعب بهدف إعادة النظر بالإجراءات القائمة خدمة للأهداف الوطنية، ولتنشيط السوق الفلسطينية، لاسيما وأن الاقتصاد الفلسطيني يحتاج إلى مليارات عديدة حتى يستعيد عافيته ودوره الطبيعي.