لا مستقبل للجماعات والتنظيمات والأحزاب المستترة والمستخدمة للدين في عالم فكر إنساني متطور متحرك يمضي قدمًا لا يقر باستحضار تجارب القرون الغابرة وإسقاطها ماديًا على الواقع الحاضر، ونعتقد في سياق متابعتنا لمستوى حضور وسطوع  نجم  جماعة الإخوان خلال السنوات العشر الماضية، فإننا على يقين أن نجم هذه الجماعة ومشتقاتها وكل من اتخذ منهجها مع بعض التحويرات قد دخل مرحلة الأفول النهائي، حيث لم يبقَ إلا بقايا شعاع تحت رماد هذه الجماعات، التي اختارت النار طبيعة لها، لتكون الضد الحارق القاتل لعناصر حياة الإنسان الطبيعية .

تشد الجماعة أعضاءها وأنصارها إلى الخلف وتمنعهم من الانفتاح على الأفكار والتجارب الإنسانية الناجحة، العلمية، الفكرية، الابداعية الثقافية، السياسية، وتصور لهم مبدأ التحرر كفلسفة مناهضة للعقيدة، حتى أنهم يتخذون موقفًا معاديًا من الفلسفة بمجملها ويعتبرونها كفرًا ويصفونها بالتجديف والزندقة وغيرها من الأوصاف التي تجعل عنصرهم ينفر حتى من فكرة التجريب بالإطلاع ولو مرة واحدة على مدارس الفلسفة التي استوحى المشرعون قوانينهم منها بعد مقاربتها للواقع، ورفعوا الخيالي منها، وقربوها إلى حد ملامسة مسارات وتفاصيل حيوات البشر.

لا يستطيع مستخدمو الدين تقديم حلول واقعية مادية لمشاكل المجتمعات لأنهم بكل بساطة لا يملكون نظريات مستخلصة من تجارب المجتمعات، فكل ما لديهم كلام مزيف منسوب زورًا لكتاب الله وسنة وحديث رسول الله محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم )  توارثوه خلال القرن الماضي وعملوا على تقديس قائليه من مشايخ جماعتهم الذين اقتبسوه من كتب منسوبة أيضًا لمن يقال عنهم أنهم فقهاء ومشايخ عاشوا وكتبوا كتبهم وأفكارهم وفتاواهم ورؤاهم قبل قرون !!.

لقد دخل العرب المرحلة الأصعب والأخطر في مسيرة الانتقال الى حيز العالم المتقدم المتحرر العقلاني، إذ يستوجب تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها هؤلاء ورفعوا يافطات تحذير اتهام بالكفر والردة والإلحاد وتطبيق أحكامها على كل من يتجرأ ويتجاوز خطوط  الموت التي صنعوها وأوهموا الناس أنها ( حدود الله ) وأنهم مكلفون بحمايتها، وكان القدير العظيم يحتاج لمن يحميه !! وهذا بحد ذاته عدوان على الذات الالهية وانتقاص من قدرة الخالق  سبحانه تعالى.

نعتقد بقدرة الجيل العربي الجديد على التحرر من أشكال الاستبداد والإرهاب الفكري والمادي الذي اتخذته الجماعات الاسلاموية أسلوبا بغرض الاستيلاء على السلطة السياسية في أي بلد يمكنهم فعل ذلك، وعملوا على إنشاء انظمة قمع دكتاتورية دموية، وحللت لأنصارها الاستيلاء على الشارع والسلاح الأبيض يلمع في أيديهم، أما السلاح الناري وكاتم الصوت فقد استخدموه لكتم انفاس معارضيهم، لكنهم رغم  جرائمهم اللامسبوقة، فقد زاد منسوب التفاؤل والاطمئنان، وتصاعد مؤشر الوعي الوطني التحرري  الانساني لدى الشعوب العربية، حيث بدا شبابها يبلورون اهدافهم , وباتوا في أعلى درجات الحرص واليقظة  لمنع لصوص الآمال من السطو على مستقبلهم.

كنا نتوقع انهيار وانهزام أسطورة ارهاب ووحشية (الاخوان ) بسرعة، علمًا أنهم ظلوا حوالي ثمانين عامًا يتهيؤون للحظة القفز على سدة السلطة والبطش بكل من ليس في دائرتهم، ينهارون رغم توظيفهم لقضية فلسطين، وقضايا مسلمين مظلومين،لأنهم لم يدركوا ان قضية فلسطين وقضايا حقوق الإنسان والانتصار للمظلومين لم تعد حكرًا على اتباع دين بعينه ولا حزب أو تنظيم  وإنما قضية تهم الأحرار في العالم، فقد فشل هؤلاء لأنهم مارسوا الإرهاب واستخدموا لقتل معارضيهم أساليب وأدوات من القرون الوسطى همجية لا يمكن لآدمي مدني قبولها حتى لو صدرت كأحكام من محاكم شرعية قانونية، كالإعدامات في الساحات العامة وأساليب تعذيب غير مسبوقة لم تخطر على بال مجرمين ضد الإنسانية كتفجير العبوات والسيارات المفخخة في جموع المواطنين ومصالحهم وأرزاقهم، فشلوا لأنهم  همجيون غرباء عن المجتمع الانساني، غزاة يستهدفون كل جديد وحديث ومتنور في حياة المجتمع، تدفعهم غرائز وشهوات سفك الدماء، وسبي النساء ، فشلوا لأنهم لم يستطيعوا اخفاء  تعاملهم مع اعداء الشعب  ًومع أنظمة وأجهزة استخبارات في دول يحكمها دكتاتوريون .. فشلوا لأن اقنعتهم سقطت منذ أول لحظة وصلوا فيها لسدة السلطة، وكان انقلابا حصل تحول فيه الملاك البشري كما كان يبدو لهم الى شيطان ناري يحرق كل من يمسه.

فشلوا وفي طريقهم للاندثار لأنهم سرقوا حراك الجماهير التي رغبت بالتغيير نحو الأفضل، وأغفلوا حقيقة أن الشعوب هي وريثة  حضارات عمر الواحدة منها  آلاف السنوات.. فشلوا لأنهم عندما مروا بالامتحان المميز بين ( رجل الدولة) و( زلمة الجماعة) الجماعة سقطوا سقوطًا مدويًا، وانكشف جفافهم الثقافي، وانعدام قدرتهم على العيش بنظام الدولة المدنية الديمقراطية، فانهارت مشاريعهم بسبب إعمال معولهم في أركانها بغية التمتع بخرابها.