الإحاطة الإعلامية اليومية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب حول الجائحة الكونية أمست خليط من السذاجة والاستهبال والتخلف والجهل والأمية والخوف والذعر، يخلط الحابل بالنابل، ويكذب كل يوم كما يتنفس وعلى الملأ وامام وسائل الإعلام دون ان يرف له جفن. رجل لا يقدر أهمية وقيمة الكلمة، ولا يزن مفرداته، لأنه مسكون بالاستخفاف بعقول المواطن الأميركي وعلماء الأوبئة والنخب السياسية، لا يتورع عن إلقاء مواقف ذات شأن طبي دون أي اهتمام بجهات الاختصاص، أو اخذ رأيهم، واستشارتهم بما يجوز التصريح به من عدمه.
يوم الخميس الماضي الموافق 23/4/2020 أطلق سيد البيت الأبيض أفكارًا أصابت أصحاب الاختصاص في علوم الطب وعلم الأوبئة بالهلع والذعر، عندما صرح، حول "إمكانية حقن مرضى فايروس "كوفيد 19" بالمطهرات كوسيلة للعلاج"، ما أثار حملة غير مسبوقة ضده في وسائل الإعلام، وفي اوساط العاملين في مجال الطب عموما والأوبئة خصوصا. لأن تصريحاته وفق "رويترز" قد تدفع أشخاص وأناس عاديون وبسطاء للجوء لإستخدام المطهرات، مما يؤدي لفقدانهم حياتهم. وبدل أن تكون أميركا والبشرية بوباء الكورونا، يصبحون بفعل جهل وتخلف تاجر العقارات أمام حالة موت جديدة يقف خلفها المتربع على عرش أميركا. ما دفع عددًا كبيرًا من الأطباء وخبراء الصحة العالمية إلى الطلب من الناس عدم استخدام المطهرات أو حقنها في اجسادهم.
وقال بول هنتر، أستاذ الطب في جامعة إيست أنجليا البريطانية "هذا أحد أشد الاقتراحات حماقة وخطورة بشأن علاج "كوفيد 19"، وأضاف أن المطهرات ستقتل على الأرجح أي شخص يحاول استخدامها." وتابع "هذا تصريح ينم عن استهتار شديد". وفي اعقاب ردة الفعل الشديدة على تصريحاته، قال في اليوم التالي (أي يوم الجمعة) أنه "كان يتحدث بسخرية"! عن أيّة سخرية تتحدث، وهل الموضوع يحتمل السخرية والصبيانية والتلاعب بمصير الإنسان؟ نعم يقال إنك تعرف في العقار وتجارته، والبورصة ونوادي القمار.. ولكن لم يقل يوما انك تفهم في شيء آخر، وحتى المهن المذكورة كان يديرها لك آخرون.
ومع إنه أدعى أنه يمزح، عاد يوم الجمعة في إيجازه الصحفي للترويج لاستخدام دواء مضاد للملاريا يعرف باسم "هيدروكسي كلوروكين" لعلاج مرضى الكورونا، مع أن هذا العلاج ثبت عدم جدواه في أكثر من دولة، ليس هذا فحسب، بل أن إدارة الغذاء والعقاقير الأميركية حذرت منه مباشرة في ذات اليوم من استخدامه في علاج مرضى "كوفيد 19"، مشيرة إلى مشاكل خطيرة قد يحدثها في القلب والأوعية الدموية. هذا وصدرت شركة "ريكيت بنكيزر" التي تصنع المطهرات المنزلية ومنها الديتول، ولايسول بيانا، حذرت فيه الناس من تناول أو حقن منتجاتها تحت أي طائل"، ردًا على تصريحات الكائن العجيب القاطن في البيت الأبيض.
وأمس الأحد أعلن ترامب، أنه لا داعي للإحاطة الإعلامية اليومية حول جائحة الكورونا، التي تتصدر أميركا المكانة الأولى في العالم من ضحاياها، وحسب قوله فيها مبالغة، ولا تستحق الجهد والوقت المبذول حولها. فضلاً عن انه هاجم وسائل الإعلام، وقال هنا في البيت الأبيض، أنا السيد وصاحب القرار، وبما معناه انا الديكتاتور، ولا يحق لوسائل الإعلام ان تسأل ما لا يتوافق مع رغبة الرئيس.
خلاصة القول، العالم عمومًا وأميركا خصوصًا أسيرة رجل غير متزن، يعاني من أمراض شتى عضوية وعقلية، ووجودة على رأس الولايات المتحدة يشكل خطر عليها، وعلى المدنية كلها. انه يذكر العالم بعدد من رؤساء القارة السوداء: عيدي أمين وبوكاسا وغيرهم، الذين ابتليت بهم الشعوب الأفريقية العظيمة، مع الفارق، أن هذا الرجل الفاقد الأهلية يقف فوق بركان من الأسحلة النووية، ويستطيع أن يدمر العالم بكبسة زر.
المطلوب من الشعب الأميركي ونخبه العلمية والسياسية والقانونية وضع حد لمهزلة الرئيس دونالد ترامب. والحؤول دون السماح له بإطلاق تصريحات غير مسؤولة تسيء لأميركا وحضارتها ومكانتها، حتى لو كانت تتراجع، فإنها ما زالت تتصدر المشهد العالمي علميًا حتى الآن.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها