غطت جائحة الكورونا العالمية على الكثير من الأحداث والتطورات، لأنها سرقت الأضواء، وتسيدت نشرات الأخبار، واهتمامات العالم، وفرضت منظومة ومعايير صحية واجتماعية واقتصادية وتربوية ورياضية وسياسية مغايرة لما سبقها من زمن. ومن بين القضايا التفصيلية في الشأن الفلسطيني، التي غمرتها بجرفها وزلزالها ، كان موضوع انتخاب رئيس مكتب سياسي جديد لحركة حماس الإخوانية، لكن المشهد المحلي والعربي والعالمي أغلق باب النقاش فيه بشكل علني، رغم أنه مازال يطبخ على نار هادئة، لا سيما وأن فيروس "كوفيد 19" لا يؤثر على العملية الانتخابية الداخلية، لأنها تتم في النطاق الداخلي، وعبر ترتيبات تنظيمية خاصة، الأمر الذي يعني أن عملية الانتخابات ستتم وفق المواقيت المحددة لها لأكثر من عامل، منها: أولاً طول بقاء إسماعيل هنية خارج محافظات الجنوب في رحلة تسويق الذات في أوساط التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، والدول العربية والإسلامية ذات الصلة بالأمر؛ ثانيًا توسيع دائرة اللقاءات مع قيادات وكوادر الحركة في بلدان الشتات والمهاجر، والتعريف بشخصه، وعرض ملكاته الإخوانية؛ ثالثًا محاولة قطع الطريق على منافسيه، بالتأكيد على أنه ليس محصورا في قطاع غزة، ويمكنه التحرك والتواصل المباشر مع مكونات وكفاءات الحركة في العالم؛ رابعًا الاقتراب أكثر من مركز صنع القرار في التنظيم الدولي، وفي ذات الوقت الوقوف أكثر على إستراتيجيات وسياسات جماعة الإخوان المسلمين العربية والإقليمية والدولية.

ويمكن الجزم أن هنية حقق العديد من الخطوات المذكورة من خلال إطالة أمد الإقامة في الدوحة وإسطنبول وماليزيا وأندونيسيا وموسكو وإيران، بالإضافة للزيارات السرية لبعض البلدان، والتي لم يكشف عنها لاعتبارات خاصة بالرجل والحركة والجماعة عموما بيد أن الرياح متقلبة، وليست مستقرة، ولا تسير في اتجاه واحد، ولا تصب كلها في مصلحة هنية. ويبدو أن طموحه بمواصلة قيادة دفة مركب حركة حماس يواجه صعوبات عديدة، منها: أولاً وجود ميول كبيرة في أوساط التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين بأهمية عودة خالد مشعل لرئاسة الحركة. خاصة وأن الأخير شكل حضورا مميزا خلال العقدين، اللذين تولى فيهما رئاسة الحركة؛ ثانيًا ضعف حضور الرئيس الحالي للحركة على أكثر من مستوى وصعيد داخل منطقة نفوذه الأساسية في محافظات الجنوب الفلسطينية، حيث يتسيد الانقلاب الحمساوي على الأرض؛ ثالثًا صعود نجم يحيى السنوار كرئيس للانقلاب والحركة في قطاع غزة، وفرض نفسه كرقم صعب في معادلة القيادة الحمساوية والتنظيم الدولي؛ رابعًا حتى على صعيد الهدنة المذلة مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، وعملية تبادل الأسرى الجارية الآن بين الإسرائيليين وقيادة الانقلاب يحظى السنوار برضى كبير من قبل الإسرائيليين الاستعماريين. ويفضلونه على غيره بمن فيهم إسماعيل هنية؛ خامسًا كما أن القرار على الأرض بيد الحاكم الانقلابي أبو ابراهيم، وليس بيد أبو العبد هنية. وهذا لا يعني أن الأخير متفرغ للقضايا الأشمل، إنما هي الحقيقة على الأرض، ورصيد هنية الأساسي عندما انتخب سابقا، أنه من إقليم القطاع، وكونه قاسما مشتركا لكل التيارات في غزة قبل وصول السنوار لموقع رئاسة الحركة الانقلابية.

لكن المعادلة الأخيرة تغيرت، وتمكن أبو ابراهيم من فرض نفسه كمرجعية لكل التيارات في القطاع، ولا أقول في كل الأقاليم، لأن الاعتقاد السائد في الأقاليم الأخرى، إن السنوار ليس النموذج المطلوب، لوجود نماذج أثبتت جدارتها إخوانيا، وأكثر كفاءة منه. أضف إلى أن حاكم غزة الحمساوي يحتاج إلى تأهيل اخواني ليتمثل الدور وفق مصالح الجماعة. وبالتالي بقدر ما هي حظوظ رئيس المكتب السياسي في غزة كبيرة، بقدر ما هي في الأقاليم الأخرى (الخارج والضفة) ضعيفة. فضلا عن رأي وقرار التنظيم الدولي.

المحصلة أن رئاسة الحركة في الانتخابات القادمة والقريبة مازالت غير محسومة، وعوامل القوة والضعف لكل من المرشحين مشعل وهنية والسنوار وغيرهم، أمثال موسى أبو مرزوق، الذي مازالت عيناه ترنوان للموقع، الذي اختطف منه، وهو في السجن الأميركي، تقريبًا متقاربة، ويصعب التكهن بمن سيكون رئيسًا قادمًا للحركة. وحين يذوب الثلج سيبان المرج، وتنجلي الصورة.