على مشارف الإنسانية الضائعة في عالمنا يبدو أنه ليس من السهل تراجع فعل بعض الفيروسات البشرية المنتشرة على أجزاء كبيرة من البسيطة أمام الكورونا الذي يجتاحها بأكملها .. وهو حتى اللحظة ما كان أشد فتكا منها ولم يوازها قتلا وترهيبًا وتشريدًا.

يأتي كورونا كي يثبت أن ما من شيء يغير في سلوكيات هذه الفيروسات البشرية أو يؤمن الحماية منها ولو حجر العالم بأسره، تكابر ولا تهادن وكأنها ليست من كائنات تلك الأرض التي حلت عليها الجائحة، فتحسبت لما قد يأتي بعد ويكون أخطر منها.

"الإنسانية" الخط الأحمر الذي أوجب كورونا التوقف عنده على مفارق عديدة شهدت قتالًا وحروبًا ونزاعات خلفت تباعدًا بين أهل الأرض باستثناء من طور وحشيته على نحو يتخطى أيّة حدود.

العقلية الاستعمارية الاسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي ترجمت على مدى إثنين وسبعبن عامًا في أبشع سلوكيات الوحشية والعنصرية أخذت منحى آخر في تعاطيها مع جائحة كورونا التي بدت عدوًا وصديقًا في آنٍ معًا.

فمن ناحية، استنفار وغضب للكيان المحتل من تداعيات الفيروس على المجتمع الاسرائيلي الذي فاق إجمالي الاصابات فيه العشرة آلاف بينهم ما يقارب المئة في حال الخطر فيما تعدت الوفيات المئة، ما دفع حكومته إلى اتخاذ اجراءات مشددة مثل إغلاق الطرقات بين المدن ومنع تنقل السكان إلى أكثر من مئة متر من منازلهم.

ومن ناحية أخرى يبدو الكورونا حليفًا هامًا بالنسبة للاحتلال، إذ لم يوفره في ممارساته ضد الفلسطينيين فحاول تصويبه باتجاههم متجاهلاً خطورة انتقاله بالعدوى وليس (الهوية)، ومع اسبقية الفيروس الاحتلالي فإن الأوبئة ومن دون أي تمييز بين الفلسطينيين والاسرائيليين حكمًا سوف تنتقل بينهم ولو أنه لا يجوز المقارنة حتى الساعة بين المجتمع الاسرائيلي والفلسطيني في تعاطيهما مع الوباء، إذ ان الأخير أثبت وعيًا كافيًا جنبه حدة المخاطر التي يواجهها الجانب الآخر.

ومع ذلك لا تتورع السلطات الاسرائيلية عن الانقضاض على الشعب الفلسطيني وحقوقه وسلامته حتى وصل الأمر بالعنصرية العمياء والجهل الأحمق ان توزع نشرات التوعية في أراضي الـ 48 التي يسكنها الفلسطينيون العرب والاسرائيليون باللغة العبرية فقط.

وليس تجاوز حدود السلامة العامة فقط في التعاطي مع الجائحة العالمية، فالعقل الاستعماري بدا شغالاً وأكثر استغلالا لذلك الفيروس في تصفية حساباته مع الشعب الفلسطيني الذي يخوض حربًا كونية مع هذا الاحتلال منذ اثنين وسبعين عاما حتى وصل الأمر ببعض الجنود الاسرائيليين والمستوطنين إلى محاولة نشر العدوى بالوباء عن طريق البصق على السيارات والمنازل الخاصة بالفلسطينيين.

حقوق الفلسطينيين المنتهكة في زمن الكورونا كان قد أشار اليها مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية مايكل لينك حين قال: إن إسرائيل تقوم بانتهاك صارخ لالتزاماتها الدولية فيما يتعلق بحق الحصول على الرعاية الصحية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال.

وليس سجون الاحتلال التي تعتقل الأسرى إلا وصمة عار مضافة على تاريخ وحشية دولة الاحتلال  في زمن الكورونا، إذ تغض مسامعها عن كل المناشدات من قبل المؤسسات الدولية والحقوقية التي تطالبها بالافراج عن 5000 أسير فلسطيني لا يتلقون الرعاية الصحية والوقائية من أجل مواجهة هذا المرض القاتل، علمًا أنها افرجت عن 450 جنائيا اسرائيليا من سجونها خوفا من انتشار الكورونا بينهم، فيما تشير معلومات إلى إصابة عدد من المعتقلين الفسطينيين في زنازين الاحتلال بعد أن انتقلت العدوى إلى أحد الأسرى عبر أحد المحققين والذي تبين أنه مصاب بالكورونا بعد الفحص الذي أجري له في تاريخ الافراج عنه وكان خالط عددًا من الأسرى.

وبعيدًا عن الاهتمامات المتوجبة عالميًا في مواجهة الوباء والحفاظ على سلامة مواطنيها أقله للتخفيف من حجم الإصابات في صفوفهم تنشغل دولة الاحتلال بمناورات أقطابها السياسية من أجل تنفيذ التطبيقات المتعلقة بصفقة العار محاولة مع كورونا تمرير مشروع ضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس واتخاذ الخطوات الآيلة إلى بسط سيادتها على غور الأردن وشمال البحر الميت.

ما بين الكورونا ومساعي دول العالم في اتخاذ كافة إجراءات الوقاية منه من أجل تخفيف أعداد إصاباته وتكثيفها الابحاث العلمية الهادفة إلى إيجاد العلاج الملائم وما بين انعدام الاستقرار وعمليات السلام المتعثرة على الأرض من الثابت أن بعض الفيروسات البشرية يستحيل أن تحظى بفرص إيجاد لقاحات لها.