منذ أزمة كورونا خرج علينا الكثير من المحللين والمهللين والمختصين محلياً ودولياً يصرحون بقراءاتهم التحليلية، وبخوف مبطن بأنها حرب بيولوجية، لا أعلم إن كانت حقاً وهمية أم فلسفية، لكن تفشي الفيروس أصبح مادة لنشر نظريات المؤامرة حول العالم، أسباب كثيرة صار الكل يعرفها وسمع عنها، بالنهاية مهما تعددت هذه الأسباب ومهما كان نوع الحرب ومهما اختلف علماء ومحللون فالكورونا واحد!
قلبت أزمة كورونا العديد من الموازين في العالم و تبدلت أحواله، وتغيرت إعداداته بكبسة زر، على يدِ عدو لا تدركه النظرات، من أهم صفاتهِ أنه صدم العالم وأعاد ضبطه بطريقة محكمة كسرت المألوف والمعتاد، وسرعان ما أطُبق على روح الأماكن في العالم من شرقه إلى غربه!
ألغى الجداول والبرامج المسبقة للإنسان، وفرض جدوله الزمني على جميع البشر وتربع على العرش بجدارة، جعل العالم يلهث وراءه ويسخر طاقته البشرية والمالية للحد من انتشاره، واكتشاف سره الغامض.
هلعٌ وخوف وقلق، الكل يركض، كبارًا وصغارًا، نعم كلّهم يركضون إلى غير وجهة، كذلك الفقراء والأغنياء، حرية وديمقراطية، وكأنه شيء أشبه بالسباق على مرِّ السنين، والكل يريد القطاف والاستمرار، فأقلية ترضى ببعض أشلائه مكتفية بالقليل منه وبالكثير من أفراح الحياة الحقيقية، وبالمبادئ والقيم والحبّ، بالمقابل هناك قلّة مَن تدرك أن الاستيلاء على حقوق الآخرين والثروات المكدّسة بالنهب، أو الغشّ وحدها تبقى مع وحش فتّاك لا يرى بالعين المجردة.
قادة الدول العُظمى وغير العظمى.. بهاماتهم والتي لا يطيقها أغلب مواطنيهم نراهم يكتسحون خلف شاشات التلفاز، وللمرّة الأولى في تاريخ قيادتهم وغطرستهم وبطشهم يعترفون بأنهم مستسلمون لقرارات عدو لا تدركه النظرات، أشبه بوحش فتّاك، يحيطون أنفسهم بالعلماء والخبراء ويصارحون مواطنيهم بأنّ الوباء الجديد هو مثل مبادئهم التي يحلفون بها، هم القادة نفسهم من كانوا يتفاخرون بقدراتهم ويتسابقون بتطوير أسلحتهم لرفعة وقوة دولتهم لمصالحهم طبعاً.
ورغم هذا التصنع الزائف، في كثير من الأحيان لم تكن هناك ضحكة، أو ابتسامة، أو حتى إنقاذ من بؤرة جوع و موت إن لم يكن هناك دولار !!
وحش فتاك يقفز الآن ويندلقُ الموت بفعله على الطرقات، ساخراً من الشعارات الكاذبة، ويا للمفارقة السّاخرة.. يعمل ما لم تستطع فعْله كلّ القوى والمحاولات والأمنيات والتدخّلات، ما بين الشعوب المتحاربة والمتقاتلة التي كانت تتبادل الهجمات ويذهب بسببها الأبرياء، في يوم وليلة تخرس أصوات القنابل والأسلحة والقتل للبشر والحجر والشجر وتصير أبواقها وضوضاؤها ظلالَ قادة على الشاشات المنزلية، فقبل مجيء الوباء كان يسود زمن الحرب يا سادتي و يتشرّد الأطفال، وتبكي العجائز، ويذرف الشيوخ شيئاً من دموعٍ تبقت في محاجرهم ممّا ذرفوه على شبّانهم الذين فارقوهم.
بسبب كورونا نرى السياسة تتعرض للتدحرج، فكلّنا واحد في مواجهة الموت، فيما الأشياء والأنظمة جميعها سواسية حيال هذا الفيروس، تعطّل كلّ شيء، كحرب تُشَنّ دون جيش وفي وقت واحد على قارّات وشعوب.
أتساءل هل سيولد من رحم كورونا عالم جديد؟ هل سيكون على يقظة من سباتٍ عميق، أم معالجة لإعطاب حياتية، أو تصحيح مسارات؟
هل ستكون كورونا هي الدافع لإعادة بناء العالم من جديد، العالم الذي نريده نحن لنكتشف فيه الإمكانيات ونحوله بسواعدنا لمدى واسع وخصب لنحقق وجودنا؟ هل سنستطيع إخراج العالم من هيئتهِ المقفلة إلى عالمٍ مفتوح ومليء بالإمكانات غير المحققة، هل ستكون لدينا الاحتمالات لممارسة الإرادة الإنسانية الحرة ؟
كيف يمكن سرد وعرض الدروس الإنسانية الناجمة عن كورونا، لا سيما المشهد السياسي العالمي الذي من المتوقع أن ينقلب ولا شك رأساً على عقب بعد أن تهدأ العاصفة!!
عروبة النجار
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها