العالم منشغل بمواجهة أعظم وأفظع وأوسع هجوم من (عدو خفي) على العالم منذ الحرب العالمية الثانية، يهدد بتدمير النظم الصحية والاقتصادية والأمنية، وبالمحصلة الخرائط السياسية للدول، فيما المتنافسون على الفوز بسدة الحكم في (اسرائيل) يسابقون الزمن لِتشكيل ما يدعونها تارة "حكومة وحدة وطنية" وتارة اخرى "حكومة طوارئ"! والثابت لدى كل متابع ومراقب عن كثب أن نقطة الخلاف القائمة حتى الآن بين الطرفين ليست كيفية انقاذ اسرائيل من الكورونا بعد رقم المصابين (أكثر من عشرة آلاف) والوفيات (حوالي المئة) شخص وهي أرقام عالية جدًا إذا ما قورنت بقدرة (اسرائيل) التكنولوجية في كل النواحي بما فيها الصحية والعسكرية، كما لا تتعلق نقطة الخلاف بالأزمة السياسية التي تعيشها دولة الاحتلال بسبب عدم قدرة ائتلاف بعينه على تشكيل حكومة بعد ثلاثة انتخابات للكنيست في عام واحد، وقد تدفعهم الأزمة إلى الرابعة، وإنما بآلية تنفيذ الجزء المتعلق بضم أراض محتلة منذ العام 1967 الخطة الاستعمارية الجديدة التي طرحها دونالد ترامب تحت عنوان (صفقة القرن) علمًا أن هذه الأراضي حسب القرارات الدولية هي أراضي دولة فلسطين المحتلة وفق القرار 19/67 الصادر عن الأمم المتحدة في العام 2012، فما بين بنيامين نتنياهو وبيني غانتس حسب المعلوم من المفاوضات بينهما عبر الوسطاء، خلاف على توقيت تفعيل عملية الضم على الأرض ولحظة الاعلان عنها، حتى وإن أخذنا في الاعتبار خلفية غانتس العسكرية وموقعه السابق في المؤسسة الحربية الاسرائيلية (رئيس أركان سابق) ومعرفته الدقيقة لتبعات الضم وتحديدًا معرفته المسبقة عن رد فعل القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني المتوقعة حال الإعلان وابتداء الحرب الثالثة الشاملة على الشعب الفلسطيني في أرض وطنه فلسطين التاريخية والطبيعية بعد حربي العامين 1948 و1967.

أراد الرئيس محمود عباس رؤية العالم في جبهة واحدة لمواجهة وباء، يفتك دون تفريق بين جنس وعرق ودين لدى البشرية، ولعله برسالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة غوتيرتش أراد التماس ارادة دولية مشتركة تتصدى لِكل ما يهدد مصير الإنسانية الحضارية على وجه الكرة الأرضية، تبشر فيما بعد لالتقاء هذه الارادات العالمية على قرار لإنهاء احتلال واستيطان عنصري في فلسطين يهدد الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة الأكثر حيوية للعالم (الشرق الأوسط)، احتلال واستعمار استيطاني تسبب بضحايا أبرياء بلغ أضعاف رقم ضحايا وباء فايروس الكورونا بآلاف المرات، فيما نزيف الدماء الإنسانية ما زال مستمرًا في فلسطين، وقد يستمرفيها وحولها وفي محيطها إذا شنت منظومة الاحتلال العنصري الاسرائيلي حربها الثالثة على الشعب الفلسطيني.

سيدرك قادة الدول في العالم وتحديدًا الدول العظمى الخمس المتحكمة بقرارات مجلس الأمن الدولي أن انتصارهم الفردي أو الجمعي على هجوم الكائن الخفي (فايروس كورونا) سيبقى ناقصًا ما لم يتم القضاء نهائيًا على وباء الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصري الاسرائيلي منذ حوالي مئة عام، فهذا (الفايروس الاصطناعي) المزروع في مركز الشرق الأوسط الحضاري، والملتقى المقدس لاتباع العقائد السماوية (فلسطين) كان وما زال سببًا رئيسًا في إزهاق أرواح ملايين البشر، وتردي أوضاع بلدان المنطقة اقتصاديًا، وتخلفها ثقافيًا، نتيجة الصراعات والحروب التي دأبت منظومة الاحتلال العنصري في تل ابيب على أشعالها وإشغال شعوب ودول وحكومات المنطقة عن السير في ميادين الديمقراطية والبحث العلمي والنمو الاقتصادي.. ليس هذا وحسب، بل تتقصد عرقلة عمل سلطات دولة فلسطين الصحية للحد من تفشي وباء الكورونا كما بين رئيس الحكومة د. محمد اشتية لسفراء وقناصل الدول المعتمدين لدى دولة فلسطين والاتحاد الأوروبي أثناء اجتماعه بهم بواسطة الفيديو كونفرانس حيث وضعهم في صورة خطر أكبر حال اتفق الحزبان الكبيران في دولة (اسرائيل) القائمة بالاحتلال على حكومة ضم قائمة على مبدأ ضم اراض فلسطينية احتلت في العام 1967.

عندما تتمرد منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصري الاسرائيلي على القانون الدولي، وتصبح قوة إرهابية ضاربة لقيم ومبادئ الإنسانية برتبة دولة، ولا نجد من يتصدى لجرائمها ضد الإنسانية، واستكبارها واستبدادها وظلمها لشعبنا الفلسطيني، ولا يحاسب قادتها العسكريين والسياسيين على جرائم حرب ارتكبوها بِحق شعب فلسطين الأعزل، ولا ينظر فعليًا بانتهاكات سلطات هذه المنظومة الفاشية لأبسط حقوق الانسان، ويغض الطرف ولا يفكر حتى بردعها، فهذا يعني أن العالم بمنظومته القائمة ما زال اضعف مما نتوقع، وقد لا نحتاج لبرهان إضافي بعد انكشاف عورة هذا العالم وثبوت هشاشته في مواجهة فايروس الكورونا، الذي كان ممكنا السيطرة عليه منذ انطلاقه لولا الرؤية الاحادية الأنانية الاستكبارية المرتبطة بجذور الدولة الاستعمارية التي يبدو أنها ما زالت حية رغم المظاهر المدنية الحضارية التي سادت في العقود الأخيرة، فالمصالح المادية، والمكاسب المالية، والتوسع في النفوذ الاقتصادي على حساب مصائر الشعوب وحيواتها مازالت تسيطر على تفكير رجالاتها عند كل رأس هرم حاكم وتحدد طبيعة قراراتهم.. ويكفي الاشارة الى نموذجين بهذا الصدد، الأول وراء المحيط (الولايات المتحدة الأميركية) أما الآخر فلصيق بنا تمامًا وهو كيان الاحتلال والاستيطان (اسرائيل).

أعلن عن إنشاء كيان اسرائيل في أرض ووطن الشعب الفلسطيني (فلسطين) وثبتت أركان منظومة احتلال واستيطان عنصري فيما كان العالم منشغلاً بلأم جراحه بعد الحرب العالمية الثانية، واليوم تستكمل هذه المنظومة السيطرة وإعلان السيادة على أراضٍ أخرى من فلسطين (ضم أراض في الضفة الفلسطينية وشمال البحر الميت) في زمن انشغال العالم بحرب كورونا العالمية الخفية (الكورونا) فهل نحن أمام مسبب واحد للأحداث الكبرى في العالم لتمرير مشاريعه الاستعمارية.. سنكتشف الحقيقة ولو بعد حين.