ثمّة رمادٌ يطفو فوق جمر الكون، وألسنُ الذين كانوا بالأمس قدرهُ بلعوا ألسنتهم وتواروا خلف ستائر سميكة خوفًا أو إفلاسًا.
هذا الزائر الرهيب الذي تجاوز محرَّماتِ الكون، فغزا كلَّ الأمكنةِ دون أن يكترث أو يتردّد، حتى الحصون والغرف السوداء داهمها، إلى أن غدت البيوت سجون أهلها، علاوةً على مئاتِ الآلاف ممَّن حُجروا في المشافي وأماكن العزل الرهيبة.
كلُّ الناس في هذا العالم هُم محض أرقام في عرفِ الديكتاتور كورونا، كل التواريخ والأزمنة والحضاراتِ البائدة والمعاصرة تحت الحكم العُرفي الذي أعلنه هذا المستبد الغاشم... كان ترامب أحد أكثر المتهكِّمين على عالمنا المتهالك، والبلطجي الأقدر على انتزاع المليارات كفائض بدل الخدمةِ على طاولةٍ في مقهى. هذا الترامب الآن، وبعد أن وضع الأميركيين بين خيارين لا ثالثَ لهما: إمّا اقتصادنا الحر وقوَّة النموذج الأميركي وإمّا الحجر والعزل لتفادي غدر كورونا. لكنَّ المفاجأة الكبرى التي حصلت هي أنَّ ترامب مجرّد متكلّمٍ... لا أكثر، وأن سيِّد البيوتِ كلها هو كورونا... فقط كورونا.
ثمّة مَن يعتقد الآن أنَّ الهيمنة الأميركية وسلاحها الأشدَّ فتكًا السيد "دولار" باتا في خطر. وأنَّ الدولة التي كانت عملتها- الدولار- تحدِّد سعر الذهب والنفط والمعادن على أنواعها وتتحكَّم ببورصات العالم وأسعار صرف العملات الأخرى وأسهم الشركات والصناعات وتحدد منظومة قيمِ العالم وأخلاقياته وقوانينه هي الآن دولة بكماء... لا صوت لسطوتِها ولا صدى. فهل تطوَّعتِ الطبيعة لكي تلقِّن إنسانيتنا درسًا قاسيًا واقتصاصًا مرعبًا جراء التعدّي على الطبيعةِ والإنسان، أم أنه ثمة فاعلٌ أفلت الأمر من يده فراح العابث كورونا يؤدي رقصة رعبٍ مداها الكون؟
ثلاث دول من منظّمة شنغهاي للتعاون- الصين روسيا والهند، بادرت إلى قرار باعتماد عملاتها المحلية والسندات التي تصدرها في عمليات التبادل التجاري التي تتمُّ فيما بينها. فيما سبق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن انتقد اعتماد بلاده على الدولار.
وإذا كانت الولايات المتحدة تتصدَّر قائمة الدول الأقوى اقتصاديًّا بدخل سنويٍّ يقدّر بنحو أربعةٍ وعشرين ونصف تريليون دولار، فإنَّ الصين التي بلغ نمو اقتصادها أواخر العام ألفين وتسعة عشر ستة فاصلة ثلاثة بالمئة، تخطّط لتحقيق دخل سنوي يساوي خمسة وعشرين فاصلة ستة تريليون دولار، أي أنها تعمل على تجاوز الولايات المتحدة، والتي سوف تليها الهند ثانيًا برفع حصتها في مجال التجارة العالمية إلى 15% عالميًا.
الكيان الصهيوني خاضع كغيره لمزاج الديكتاتور كورونا وليس بخير أبدًا، خاصة إذا ما ربطنا مشهد اللحظة بأزمة القيادة التي يعاني منها الكيان وأزمة الثقة التي تعمَّقت بين النخب السياسية إلى حدٍّ باتت المؤامرات فيما بينهم هي الحلَّ لإعادة إنتاج قيادة هجينة بطلها رئيس الكيان والخائن فيها ثقة أقطاب حلف أبيض- أزرق بيني غانتس بعد أن صوَّت له اليمين الصهيوني بقوة كرئيس للكنيست.
ثمَّة الكثير من الغموض يلفُّ عدد المبتلين بوباء كورونا في العديد من دول العالم، والكيان الصهيوني واحدٌ منها. فصحيفة روسيا اليوم في عددها الصادر مطلع نيسان الجاري- عن مراسلها في الكيان الصهيوني- ذكرت أنّ "قرية بني براك" التي جل سكانها من اليهود الحريديم الفقراء والأكثر اكتظاظًا نسبة المصابين بالوباء فيها نحو 37%، وأنّ كبار السن -ما فوق سن الثمانين عامًا- سيتم عزلهم في فنادق يشرف عليها جيش الاحتلال، وأنَّ هذه النسبة تساوي ثلث عدد المصابين في الكيان ككل. ويعود ارتفاع هذه النسبة إلى استجابتهم لآراء حاخاماتهم الذين طالبوهم بالاستمرار في حياتهم العادية وعدم احترام قواعد الحجر.
وربطًا بما سبق أعلاه علينا التذكير بأنَّ زعماء الكيان الصهيوني، خاصة شمعون بيريز وبنيامين نتنياهو، يتوجّسون من احتمال انقلاب موازين القوى الدولية وبالتالي خسران دولة الدعم والرعاية التي تشكل حاضنة الأمان لكيان لا يمكن أن يعيش دونه، لذا دأب هؤلاء على فتح مسارات سياسية في آسيا، خاصة مع الهند التي يحكمها اليمين الهندوسي، وبذلك فإنّها غادرت الزمن الذي كان فيه حزب المؤتمر يمثّل دعامة مهمة للقضية الفلسطينية وللعلاقات العربية بشكل عام، علاوةً على العلاقة العضوية التي تربط الكيان الصهيوني بروسيا، لأنَّ ثلث سكان الكيان الصهيوني الآن هم من القومية الروسية، بحيث يشكّل هذا العامل، إضافةً مهمّة تساعد الكيان الصهيوني بعد الولايات المتحدة الأميركية...
خلاصة القول: عالم ما بعد كورونا لن يكون عالم ما بعده، إن على مستوى الولايات المتحدة وعلاقاتها الدولية، أو أوروبا وما عرف بحلف الـ"شنغن"... وإنَّ غدًا لناظرهِ صفنة... وبعض تفاؤل.
المصدر
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها