سيسجل التاريخ إن فلسطين- وهي في عين العاصفة- تعلن قطع علاقاتها مع الجانبين الإسرائيلي والأميركي، في الوقت الذي تتسابق فيه دول عديدة في هذا العالم على كسب ودهما!! سيسجل التاريخ ذلك وعلى نحو يعيد فيه انتاج الروايات الاسطورية، ولكن بحقائق ووقائع، مرئية، ومسموعة، وملموسة هذه المرة، وحيث البطل لم يعد تراجيديا، ولا خياليا، بل حقيقي وملهم، وهو ينازل اعتى قوة في هذا العصر، ليدل على طريق الخلاص من هذا القوة، بهذه المنازلة التي تظل ممكنة، بدلالة واقعيتها الراهنة، التي سجلها الرئيس أبومازن في كلمته أمام الاجتماع الطارئ لوزراء الخاريجية العرب، السبت الماضي.

قطع العلاقات مع الإدارة الأميركية تحديدا، هذه التي تملك ما تملك من عناصر القوة المادية جميعا، التي لا تملك فلسطين منها شيئا، ليس بالموقف الهين، بقدر ما هو مكلف، وصاحبه أدرى بذلك، غير أنها المسؤولية ليست الوطنية، ولا الإقليمية فحسب، إنما الدولية كذلك، التي تصدى لها الرئيس أبومازن، لا لحماية المشروع الوطني الفلسطيني التحرري فقط، وإنما لحماية الشرعية الدولية أيضا، لأنه الموقف الذي بني على نقض الإدراة الأميركية للاتفاقات الدولية، وقرارات أطرها الشرعية، بطرحها خطة تقول إنها لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لا تمت لهذه الاتفاقات، وهذه القرارات، بأية صلة، ولا علاقة لها حتى بفكرة التسوية بحد ذاتها.!!

ولأن حال إسرائيل، هو حال الإدارة الأميركية في هذا الإطار، ولأنها تتعالى على القانون الدولي، وقد مزقت اتفاقات أوسلو بمنتهى العنف، وبقصدية الفكرة العنصرية ذاتها، فإن العلاقات معها لم تعد ممكنة، على أن هذا الموقف الذي أعلنه الرئيس أبومازن، ليس موقفا عدميا، ولا هو بالموقف الانفعالي، وإنما هو الموقف المسؤول مرة أخرى، الذي أعلن ويعلن أن السلام العادل يظل غايتنا عبر التفاوض في أطر الشرعية الدولية، واستنادا لقراراتها، مثلما أعلن ويعلن أننا بهذا الموقف نتصدى لمسؤولياتنا في مواجهة صفقة ترامب الصهيونية، وبحكم أننا حراس القدس التي هي ليست لنا وحدنا فقط، وإنما للعرب جميعا، ولكلّ محبي العدل والسلام في كل مكان من هذا العالم، فإن فلسطين: شعبا، ورئيسا، وقيادة، وأحزابا، وقوى سياسية، واجتماعية، واقتصادية، ستظل هي رأس الحربة في هذا الصراع، وهي التي تحتضن المرابطين في بيتها واكناف بيتها.

هذه هي طريقنا إذن، وهذا هو دورنا، وهذه هي مسؤولياتنا، نتصدى لها ونتحمل اعباءها، وعلى العالم أجمع أن يعرف وقد بانت حقيقة الرقم الفلسطيني الصعب مجددا أنه العصي على الشطب والتجاهل والتجاوز، بحكم قراره الوطني المستقل ، على العالم ان يعرف :

" أنَّا العاصمون إذا أُطِعنا وأَّنّا العازمون إذا عُصِينا".