العدوان على الشعب الفلسطيني مستمر منذ أكثر من مئة عام، والعدوان الإسرائيلي مستمر منذ ما يقرب من 75 عامًا، قضينا منها نحو 25 عامًا من الحوار للتوصل إلى حل سلمي عادل، يوقف سفك الدماء ويمنح الحرية والكرامة والازدهار للشعبين؛ ومنذ بداية الصراع وحتى اليوم صدرت قرارات عن عصبة الأمم والأمم المتحدة ومجلس الأمن، هدفها ضمان الأمن والسلم العالميين، والقرارات الوحيدة التي لم تنفذ، هي تلك المتعلقة بفلسطين والشعب الفلسطيني، وفي كل دورة من دورات الأمم المتحدة يتم التأكيد عليها، حتى يومنا هذا.

خلال هذا الوقت، توصلنا إلى توقيع اتفاقات أوسلو من أجل تحقيق سلام عادل وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو 1967. ومع ذلك، كلما انتهت جولة من المفاوضات، يرفضها الجانب الإسرائيلي.

السنوات الـ 27 الماضية كانت كافية وكفيلة بإيصال الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى حالة من الاستقلال والاستقرار والأمن والتنمية، غير أنه لم يكن في الجانب الاسرائيلي شريك حقيقي في صناعة السلام التاريخي والوصول للحل النهائي بعد اغتيال اسحق رابين على يد متطرف اسرائيلي.

أكدت القيادة الفلسطينية، مراراً استعدادها التام للمفاوضات السياسية برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي كوسيط وإضافة عدد من البلدان الأخرى، للدخول في مفاوضات سياسية على قاعدة الشرعية الدولية وقرارات مجلس الامن والاتفاقيات الثنائية، وفق جدول زمني محدد، لإنهاء كافة القضايا والوصول الى اتفاق تاريخي، فليس لدينا المزيد من الوقت لإضاعته كما تريد القيادات الاسرائيلية، في التفاوض لمجرد التفاوض، كما قال رئيس وزراء اسرائيل الأسبق إسحاق شامير، وكما تريد القيادات الاسرائيلية الحالية.

لا يمكن الاعتماد على خطة ترامب كأساس لحل هذا الصراع الطويل، كما لا يمكن النظر لها بجدية، حيث أظهر ترامب دعمه وانحيازه لإسرائيل منذ بداية ولايته، وأصدر العديد من القرارات التي أفرغت اي خطط أو برامج من مضمونها، وبالتالي لن يكون راعياً نزيهاً لأي مفاوضات مستقبلية.

ونرى أن خطة إدارة ترامب – نتنياهو التفاف على الشرعية الدولية، وإضعاف لدور ومكانة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، التي تحاول ادارة ترامب مصادرة دورها، وبالتالي فإن العالم ملزم بحماية قِيَمِه بشكل واضح وصريح، بما في ذلك في ميثاق الأمم المتحدة.

والخطورة في الخطة الأميركية، هي تصرفاتها، التي تسعى من خلالها إلى استبدال النظام الدولي بشريعة الغاب، حيث البقاء للأقوى، والضعيف لا مكان له.

لقد شاهدنا في المؤتمر الصحفي ترامب – نتنياهو في البيت الابيض، عرضاً مسرحيًا لم يكن مسلياً، بمشاركة كبار موظفي البيت الأبيض. واستمعنا من الرئيس الأميركي الى عموميات هذه الخطة، بينما تحدث نتنياهو بتفاصيل ما تسمى خطة القرن، في دلالة واضحة أن اسرائيل هي من وضعت هذه الخطة التي قدمتها الادارة الاميركية.

وكلاهما حاول بشكل مقيت خوض حملته الانتخابية على مآسي وجراح شعبنا.

يجب أن نتذكر عدد القرارات التي أصدرها الرئيس الأميركي لدعم إسرائيل، على حساب الفلسطينيين، في مخالفات واضحة للنظام الدولي وتحدٍ للعالم، منها: نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، وقف دعم الأونروا، وقضايا اللاجئين، والمستوطنات، والاغوار والحدود. لذلك، لم تعد الخطة تتضمن ما يجب الاتفاق عليه من خلال المفاوضات المباشرة.

لقد أعلن الجانب الفلسطيني مرارًا استعداده لمواصلة المفاوضات على أساس الشرعية الدولية وقرارات مجلس الامن، وقدم الجانب الفلسطيني والدول العربية، مبادرة السلام العربية عام 2002، لإيجاد حل عادل ودائم، الأمر الذي رفضه الجانب الإسرائيلي.

وفي كل مرة كان الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي يصلان الى مشاريع اتفاق، كان الجانب الإسرائيلي يرفضها بشكل قاطع، بدءاً من مقترحات رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين إلى اتفاقيات طابا مع رئيس الوزراء السابق إيهود باراك، الى المشاورات مع رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت.

هناك اتفاقات ثنائية وقرارات دولية.

ندعو لاحترامها، وعدم الكذب على الرأي العام العالمي ولا في بولندا، قائلين إن الجانب الفلسطيني رفض السلام أو أن الفلسطينيين سيحصلون على دولة، هي "أشبه ببيت النمل"؟!. ولا أريد الحديث عن كذب المساحات.

هناك فرق بين تقديم خطط مشاريع هدفها استمرار الصراع وسقوط الضحايا من كلا الجانبين، وبين تقديم حلول من شأنها أن تزرع الأمل وتدعم التنمية والتطور.

لم تفهم الإدارة الأميركية حتى الآن، أن الحل السياسي يجب أن يقوم على احترام الحقوق الفلسطينية في إقامة دولته المستقرة الآمنة ذات السيادة وعاصمتها القدس على حدود 4 يونيو 1967، الازدهار والتطور تجلبه الدولة المستقلة الحرة ، ذات السيادة والديمقراطية لشعبها، أما سلب الهوية والحقوق الوطنية والسياسية، واستبدالهما بالرخاء الاقتصادي الموعود، فهو كذبة العصر.

أدعو هؤلاء الذين يتحدثون عن إيجابيات الخطة الأميركية ليوضحوها لنا، لقد تفحصنا صفحاتها، فلم نجد للقدس مكانا، ولم نجد للاجئين مكانا، ولم نر حدوداً لدولة ذات سيادة، وما وجدنا سوى التهديد والوعود، بينما حصل الجانب الإسرائيلي على أكثر مما تتوقعه طموحاته، وكل ذلك على حساب دماء ومستقبل الفلسطينيين.

أخيرا،

أنا بطبيعتي متفائل ولا أفقد الأمل، غير أن الكثير من الأحداث الدولية، وسقوط النظام الدولي، يدفعني للقول إننا على وشك حرب ساحقة، مدمرة "الحرب العالمية الثالثة". العديد من مظاهرها نراه ونعيشه، لكن العديد من الدول في العالم تضع مصالحها الخاصة فوق كل شيء، معتقدين أنهم بعيدون عن الخطر الذي يقرع أبوابهم بصوت عالٍ. ولا يريدون أن يسمعوه.

لقد أوصلنا ذلك سابقاً إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، وعشنا جميعاً مآسيها، لذلك لا تكونوا غير مبالين.. لا تكونوا غير مبالين.