كلما فتحنا قوس الأمل نسبيا لفتح زقاق ولو كان ضيقا وصغيرا لتحريك عربة المصالحة، لوجدنا أن حركة حماس تُصر على الالتفاف على الجهود الإيجابية، وتغلق الطريق. مع أن ممثليها أكدوا لجهات أممية، أنهم مع إجراء الانتخابات، ولكنهم بحاجة لغطاء يتسترون ويتغطون به أمام قواعدهم ومحازبيهم، ومرجعياتهم الإخوانية والإقليمية. وكأن قيادة الانقلاب لم تستفد من تجارب أقرانها في تركيا وتونس، الذين امتثلوا لإرادة شعوبهم، ودخلوا الانتخابات، وحصلوا على نتائج تمثل حضورهم في تلك الساحات.
وكما يعلم القاصي والداني في فلسطين وكل من له صلة بالملف الفلسطيني، جرت انتخابات بلدية في الأعوام 2005 و2012 و2017 وفي المرتين الأخيرتين، وتحديدا بعد الانقلاب على الشرعية الوطنية أواسط عام 2007 لم تسمح فرع جماعة الإخوان المسلمين من إجراء أية انتخابات ديمقراطية في محافظات الجنوب الفلسطينية، لا في النقابات، ولا في الجامعات، ولا في المجالس البلدية والقروية، وعطلت عن سابق تصميم وإصرار العملية الديمقراطية، وواصلت غيها في ضرب عرض الحائط بالخيار الديمقراطي، وأغلقت كل النوافذ والأبواب أمام زحزحة عربة المصالحة والوحدة الوطنية ولو سنتمترا واحدا، وحالت دون تقدمها ولو خطوة صغيرة.
وتعميقا لخيارها الانقلابي، ورفضا للعملية الديمقراطية، عينت قبل أيام قليلة المدعو أنور الشاعر رئيسا لبلدية رفح، دون العودة لوزارة الحكم المحلي في حكومة الدكتور اشتية، ومتجاوزة بذلك القانون رقم 10 لانتخابات المجالس المحلية وتعديلاته، وموجهة رسالة عشية وصول الدكتور حنا ناصر، رئيس لجنة الانتخابات المركزية لقطاع غزة للتشاور مع القوى والأحزاب والشخصيات الوطنية حول إجراء الانتخابات البرلمانية، لتعلن من خلالها، رفضها للعملية الديمقراطية برمتها. الأمر الذي لا يقتصر على مجرد تعيين رئيس مجلس بلدي أو محلي بشكل مخالف لأبسط القوانين والمعايير الديمقراطية، وإنما لتؤكد إصرارها على التخندق في مواقع العداء لتعميم ونشر المعايير الديمقراطية، وتأبيد خيار الإمارة على حساب وحدة الأرض والشعب والمصير المشترك، وترفض عن سابق تصميم وإصرار العيش في كنف النظام التعددي الديمقراطي، وترفض الشراكة السياسية من حيث المبدأ. وبالتالي من يعتقد أن تصريح اسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة بعد لقاء د. حنا مساء يوم الإثنين (أمس الأول) ليس سوى تضليل جديد، لأن من دقق في تصريحه، يكتشف أنه وضع السم في الدسم، حيث قال: "جاهزون الآن قبل الغد لخوض الانتخابات، ونحترم نتائجها"، لاحظوا ماذا قال مباشرة "حال توفرت كل شروط النزاهة والشفافية". بتعبير آخر هو يطعن فيها من الآن، ويرفض إجراءها، وسيخرج من طاقية حماس الإخوانية الذرائع المتهافتة لرفضها.
وبالعودة لملف بلدية رفح، اللافت للنظر أن بعض الممالئين لحركة حماس، أو الذين يخشون عصاها الغليظة من ممثلي وسائل الإعلام والكتاب، أعادوا الأمر، وكأنه خلاف بين الضفة وغزة، أو بين حركتي فتح وحماس، ووضعوا الحركتين في سلة واحدة، مع أن الحقيقة ليست كذلك، وهذا للمرة الألف ليس انحيازا لحركة فتح، ولكن انصافا لها ولمواقفها، بأنها فتحت كل الأبواب، وشرعت كل النوافذ، وفتحت كل الطرق المغلقة امام إجراء انتخابات حرة ونزيهة في كل المنابر والميادين والحقول النقابية والطلابية والبلدية، ونادت وما زالت تنادي بإجراء الإنتخابات البرلمانية لتجاوز عنق الزجاجة، وفتح الانسداد في طريق المصالحة، ولكن الذي عطل وما زال يعطل فتح الدروب كلها، هي حركة حماس ومن معها.
والدليل الآن على ما ذكر، أن كل فصائل العمل الوطني، والغالبية الساحقة من مؤسسات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية أعلنت بشكل واضح وقاطع رفضها لارتكاب حماس خطيئة تعيين رئيس بلدية لمدينة رفح بشكل غير ديمقراطي، وخارج نطاق صناديق الاقتراع، وحرمانها للجماهير من اختيار ممثليها للمجالس البلدية، كما فعلت قبل فترة وجيزة في بلدية غزة، عندما نصبت محازبيها، وأنصارها وأتباعها من الشخصيات الهامشية. ورفضت التساوق معها، باستثناء حركة الجهاد الإسلامي، التي أعلن أمينها العام زياد النخالة، وأحد قياداتها في غزة، رفضهم المبدئي لإجراء الإنتخابات، لأنها حسب أقوالهم "تشتت الجهود الوطنية"؟! ولا أعرف كيف فسر النخالة وعزام بأن الانتخابات "تشتت الجهود، وتعمق الانقسام"؟! ولكن لم يعد الأمر مستغربا عن تساوق حركة الجهاد مع حركة حماس في السنوات القليلة الأخيرة. لا سيما ان المرجعيات الإقليمية باتت واحدة.
مجددا ندعو التيار الإيجابي في حركة حماس، الذين رفضوا، ويرفضون ولو بصمت، أو بشكل خجول سياسات التيار المتنفذ في الانقلاب، أن يأخذ مكانه، ويلعب دوره الإيجابي إلى جانب كل القوى الوطنية المؤمنة والمنخرطة بصدق في إنجاح خيار المصالحة، وعودة اللحمة لأبناء الشعب الواحد والموحد، لحماية القضية الوطنية من أخطار التبديد والتصفية وصفقة القرن الأميركية. وعليهم دور لتعزيز وترسيخ العملية الديمقراطية في كافة مجالات الحياة الفلسطينية. فهل هم فاعلون؟.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها