عندما يختار المرء عدّوًا يمتلئ صدره بالحقد وبالكراهيّة ولا يخشى من النتائج الّتي قد تؤدّي إلى أمورٍ لا يحسب حسابها، ولا بدَّ من أن يسعى إلى توحيد "القبيلة" وتحويلها إلى قطيع، ويزداد حقده كلّما شاهد عدّوه يقوى أو يحقّق إنجازًا فتشتعل النيران في صدره ولا يسيطر على عواطفه. هذا هو الحال مع الفرد سواءً كان رئيس جمعيّة أو رئيس سلطة بلديّة أو رئيس حزب أو رئيس أيّ موقع قياديّ.
منذ وقّع إسحاق رابين اتفاق المبادئ المعروف باتفاق أوسلو اختار بنيامين نتنياهو سياسة التّخويف ليصل إلى السّلطة ثمّ المحافظة عليها. والتّخويف يحتاج إلى عدّو ولا بأس من تغيير هذا العدّو بين فترة وأخرى، ففي العام 1995 كان العدّو ثلاثيًّا: إسحاق رابين ومنظّمة التّحرير الفلسطينيّة وحماس، ثمّ صار هذا العدّو حزب الله اللبنانيّ، ثمّ أصبح ايران وسلاحها النّوويّ، ثم اكتشف في العام 2015 عدوًّا جديدًا وهم المواطنون العرب في دولة إسرائيل الّذين يهرولون ويتدّفقون في الحافلات إلى صناديق الاقتراع للقضاء على حكم نتنياهو الّذي "هو الدّولة والدّولة هو" ثُمّ اختار اليسار الإسرائيليّ عدّوا لدودًا ونجح إلى حدّ ما بالقضاء عليه، وأمّا اليوم فعدّوه الأكبر الإعلام الإسرائيليّ.
لا شكّ بأنّ الزّعيم في أيّة دولة يخشى الإعلام ويحسب له ألف حسابًا فيعاديه ويقمعه في الأنظمة الدكتاتوريّة ويسجن ويغتال رموزه، بينما يكتفي بالحذر منه ومسايرته في الدّول الدّيمقراطيّة، وقد يصل هذا الحذر إلى درجة العداء كما يحصل اليوم في الولايات المتّحدة الأميركيّة مثلاً.
يسعى نتنياهو منذ سنوات إلى خلق إعلامٍ مجنَّد يمدحه ويثني على إنجازاته ويبرزها ويؤلّهه (إذا أمكن) ويصبّ جام غضبه على خصومه وأعدائه، وقد نجح في خلق صحيفة "يسرائيل هيوم" المجّانيّة والأوسع انتشارًا الّتي يموّلها ملياردير يمتلك كازينوهات في لوس أنجلس، كما نجح في تعيين إعلاميّين من أتباعه في إذاعة الجيش والإذاعة الرّسميّة وعدد من القنوات التلفزيونيّة، وسيطر على القناة 20 وقضى على القناة 10 ويشّن اليوم حملة شرسة تحريضيّة على القناة 12 وعلى أصحابها وعلى الصّحفيّ جاي بيلغ المراسل القضائيّ الذّي يزّود المشاهدين بمقاطع من التّحقيق مع نتنياهو بتهم الفساد ما اضطر القناة 12 إلى أن يستأجر حارسًا شخصيًا لهذا الصّحفيّ. ولا بدّ لنا من أن نتذكر مقولته الشهيرة قبل عقدٍ ونصف" انّهم يخافون يخافون" الّتي أطلقها في اجتماعٍ انتخابي مهاجمًا الإعلاميّين.
يخشى الإعلاميّون في إسرائيل في هذه الأيّام كما ظهر من مقالاتهم العديدة في شتّى الصحف من حملة التّحريض الدّمويّة ضدّهم ويتوقعون إذا ما فاز اليمين الإسرائيليّ في الانتخابات القادمة وترأس نتنياهو الحكومة للمرّة الخامسة أن تكون نهاية الدّيمقراطيّة في "واحة الدّيمقراطيّة" في الشّرق.
إذا كانت السّلطة الرّابعة تخشى من الخطر القادم فماذا ستكون حالتنا نحن المواطنين العرب؟