خاص مجلّة "القدس" العدد 355| تقرير: رامي عيشة
كثيرة هي المشكلات التي يعانيها سكّان مخيّم شاتيلا، من بينها مشكلة ضعف التغذية الكهربائية وتبعاتها التي لم تجد لها لا الدولة اللبنانية ولا اللجان الشعبية والفصائل الفلسطينية حلولاً حتى يومنا هذا، على الرغم من مطالبات أهالي المخيّم المستمرّة بحلِّ هذه الأزمة.
لكنَّ تداعيات مشكلة الكهرباء التي أصبحت تُثقِل كاهل سُكّان المخيّم دفعتهم إلى رفع الصوت عاليًا والاحتجاج على ما يتعرّضون له على يد بعض المتنفِّذين في المخيّم، ولعلَّ أبرز الأمثلة على ذلك تحكُّم زمرة أصحاب المولّدات الخاصّة برقاب السكان في ظلِّ غياب أيّة رقابة على أسعار الاشتراكات.
فالمخيّم الذي يقع على أطراف العاصمة اللبنانية بيروت يعاني أساسًا من كثرة التعدّيات على شبكة الكهرباء، ما يُهدِّد الأمن الاجتماعي في المخيّم بوقوع حرائق متكرّرة ووفيّات، وتزداد المعاناة مع استغلال البعض لحاجة السكان الماسّة إلى الكهرباء.
صرخة أهالي المخيَّم
"ما يحصل في مخيّم شاتيلا هو جريمة بحقِّ الشعب الفلسطيني، بكلِّ ما تحمله كلمة جريمة من معنى"، كلمات ردَّدها الحاج محمد داوود (57 عامًا)، لدى سؤاله عن أسعار اشتراكات المولّدات الخاصّة في المخيّم، وهي تختصر المعاناة التي يرزح تحتها كلُّ مَن أراد أن ينعم بقسط إضافي من الكهرباء في شاتيلا، ذلك المخيّم الذي يُعدُّ من أكثر الأماكن فقرًا مقارنةً بالجوار اللبناني.
ويرى الحاج داوود -ككثيرين غيره- أنَّ المشكلة الأساسية مع أصحاب المولّدات الخاصّة في شاتيلا هي غياب الرقابة الفعلية عنهم من قِبَل الفصائل الفلسطينية والدولة اللبنانية، الأمر الذي يجعل سكان المخيّم رهينةً لجشع أصحاب المولّدات، إذ وصلت تكلفة الاشتراك الشهري للـ5 أمبير إلى حدود الـ100 ألف ليرة لبنانية! وهو مبلغ مرتفع جدًّا مقارنةً بالتسعيرة التي حدَّدتها الدولة اللبنانية لأصحاب المولّدات.
ويُسهِب الحاج داوود في الحديث عن "الجريمة" التي يتعرَّض لها سكان المخيّم على يد مافيا المولّدات مُطالبًا اللجان الشعبية والفصائل الفلسطينية بالتدخُّل الفوري لوضع حدٍّ لجنون أسعار المولّدات الخاصة الذي يعاني بسببه كلُّ مَن يقطن المخيّم.
ويلفت الحاج محمد داوود إلى أنَّ سكان المخيّم شبعوا من الوعود التي أطلقتها بعض الفصائل، مؤكّدًا أنَّ حلَّ هذه الأزمة يكمن في معاملة سكان مخيّم شاتيلا أسوةً بالجوار اللبناني الذي يُجبر أصحاب المولّدات الخاصة على تركيب عدّادات للمشتركين والالتزام بتعرفة وزارة الطاقة اللبنانية.
أصحاب المولّدات
كلام الحاج داوود ينفيه بشكل قاطع محمد أيوب (51 عامًا)، وهو أحد أصحاب المولّدات الخاصة في مخيّم شاتيلا، إذ يرى أنَّ التعديات على شبكة الكهرباء تقف حائلاً دون نجاح فكرة العدّادات في المخيّم بسبب غياب الرقابة على شبكة الكهرباء، ويتساءل: "مَن يضمن حقَّ صاحب المولِّد إذا تعدَّى أحدهم على عدّاد أحد المشتركين ورفض الأخير الدفعَ بحجّة هذه التعديات؟".
ويُفنِّد أيوب أسباب ارتفاع أسعار اشتراك المولّدات، ويأتي في مقدّمها غياب آلية محدّدة لكيفية ومدّة التقنين. فالمخيّم، على خلاف الجوار اللبناني، يشهد مدة تقنين طويلة تصل إلى 18 ساعة يوميًّا صيفًا، عدا عن الأعطال التي تتعرَّض لها شبكة الكهرباء، والتي تمتدُّ أحيانًا إلى عدّة أيام، ما يدفع أصحاب المولّدات الخاصة إلى استنزاف مولّداتهم.
ويرى أيوب أنّ المشكلة الثانية التي تواجه أصحاب المولّدات في شاتيلا هي تواطؤ بعض النافذين في المخيّم وسرقتهم للكهرباء العمومية وبيعها إلى الجوار اللبناني، داعيًا بعض الفصائل في المخيّم إلى رفع الغطاء عن هؤلاء الأشخاص ومنع تعدّياتهم على الشبكة الرئيسة. وينوِّه إلى أنَّ بيع الكهرباء من الشبكة العامّة إلى الجوار يؤدّي إلى زيادة الحمولة على هذه الشبكة، وبالتالي يتسبَّب بأعطال متكرّرة في غرف الكهرباء المنتشرة في المخيّم.
ويعتبر أيوب أنَّ ما يُقال بحق أصحاب المولّدات هو ظلم لأسباب عدة، ويوضح: "أصحاب المولّدات، وهم 6 في مخيّم شاتيلا، يملكون 11 مولِّدًا خاصًّا، وهم الأكثر تضرُّرًا من أزمة الكهرباء، فكلّما ازدادت ساعات التقنين ازدادت المصاريف التي تُثقِل كاهل أصحاب المولّدات من غيار زيت للمولّدات وكابلات وفلاتر وما إلى ذلك".
ويزعم أيوب أنَّ المولّدات الخاصّة لم تعد تلك التجارة الرابحة كما كان في السابق، ويعطي مثالًا على ذلك بالمقارنة بين ما كان يجنيه أصحاب المولّدات في العام 2006 عندما لم تكن هناك أزمة كهرباء وما يجنونه حاليًّا، ويقرُّ أنَّ متوسّط أرباح أصحاب المولّدات حاليًا هو 2000 دولار أميركي عن كلِّ مولّد في حين كانت يبلغ نحو 4000 دولار أميركي في العام 2006.
ويقدِّم أيوب حلّاً للمولّدات الخاصة يكمن بتركيب عدّاد رئيس على المولّد حتى يراقب سكان المخيّم ما تمَّ صرفه من أصحاب المولِّدات، لكنَّه يشترط لنجاح ذلك التزامَ جميع أصحاب المولّدات الخاصة بهذه العدّادات.
لا حلول من دون محاسبة
يُجمِع أهالي المخيّم على أنَّ حلول أزمة الكهرباء في شاتيلا لن تكون إلّا من خلال وضع حدٍّ للفساد المستشري في هذا المجال لقطع الطريق على المستفيدين من هذه الأزمة، ولإلزام أصحاب المولّدات "بالقوة" بالالتزام بتسعيرة الدولة اللبنانية، وإلى أن يتحقَّق ذلك يبقى قدر سكّان شاتيلا العيش بين مطرقة التعدّيات على الكهرباء وسندان أصحاب المولّدات.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها