نفذت سلطات الاستعمار الإسرائيلية صباح أمس الاثنين جريمة حرب جديدة في وادي الحمص في قرية صور باهر المقدسية، تمثلت بهدم عشر بنايات من أصل 16 عمارة تحتوي على مئة شقة سكنية، مع العلم أن المنطقة مصنفة (A) الخاضعة كليا لسيطرة السلطة الوطنية أمنيا وإداريا، وليس لسلطات الموت الإسرائيلية وفق اتفاقيات أوسلو أية صلاحيات على تلك المنطقة. أضف إلى أنّ أصحاب المباني حصلوا على تراخيص بناء رسمية من وزارة الحكم المحلي وجهات الاختصاص ذات الصلة.
والجريمة الجديدة حصلت على مرأى ومسمع العالم، ولم تعر حكومة نتنياهو الموقف الأوروبي اهتماما يذكر، خاصة وأن قناصل الدول الأوروبية زارت وادي الحمص، وأطلوا على واقع الحال، وأصدروا بيانا طالبوا فيه حكومة تسيير الأعمال الإسرائيلية بعدم تنفيذ أوامر الهدم. لكن الحكومة، ومعها محكمة "العدل" العليا، أداة الاستعمار القضائية غضت النظر عن الموقف الأممي، وأيضا عن قرار السلطة الوطنية ومنظمة التحرير، ونفذت جريمتها البشعة بدم بارد.
الحرب الإسرائيلية الاستعمارية المتصاعدة في الآونة الأخيرة، تكشف مجددا الآتي: أولاً أن حكومة نتنياهو نفضت يدها كليا من أية اتفاقيات موقعة بين دولة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وتعتبر نفسها في حل من أية التزامات تجاه مصالح الشعب الفلسطيني ومؤسساته الشرعية؛ ثانيا بعد اعتراف الرئيس الأميركي ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في مطلع كانون الأول/ديسمبر 2017، وبعد مصادقة الكنيست على "قانون القومية الأساس للدولة اليهودية" تعمقت عملية التحلل والانعتاق الإسرائيلية من أية اتفاقات، لا أوسلو ولا باريس ولا غيرها؛ ثالثا إسرائيل تعمل وفق خطة منهجية على ترسيخ سياستها ومشروعها الاستعماري، المتعامد مع صفقة القرن الأميركية، وليست ملزمة تجاه الفلسطينيين ومصالحهم بأي مواقف أو معاهدات؛ رابعا إسرائيل تريد من الفلسطينيين قيادة ونخبا وفصائل وشعبا، أن يكونوا أداة مشابهة لجيش "سعد حداد" و"أنطوان لحد" مقابل تسهيلات اقتصادية ووفق المعايير والأجندة الإسرائيلية خامسا بجريمتها الجديدة تزيل حكومة نتنياهو أية فرضية نسبية بإمكانية عودتها لجادة السلام، بل تكون قطعت كليا أية تماس مع إمكانية بناء السلام معها، وهو ما يؤكد عدم وجود شريك إسرائيلي لبناء صرح السلام؛ سادسا اتجاه الضربة الرئيسية الإسرائيلية الاستعمارية تطبيع العلاقات الرسمية مع الأنظمة العربية على حساب العلاقة مع منظمة التحرير؛ سابعا انطلاق حكومة اليمين المتطرف مع الإدارة الأميركية في العمل على خلق البديل المأجور عن منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد؛ ثامنا أيضًا حتى بالمعنى التكتيكي، فإن حكومة اليمين المتطرف تعمل على كسب المزيد من الأصوات في الانتخابات القادمة 17 أيلول / سبتمبر 2019.
مجمل الاستنتاجات آنفة الذكر، تشير إلى أن دولة الاستعمار الإسرائيلية وبغض النظر عن مكونات الحكومة القادمة، فإنها ستكون استمرارا لحكومة تسيير الأعمال النتنياهوية، وتعمل على تنفيذ مشروعها الاستعماري على حساب السلام وخيار حل الدولتين، وحتى الدولة الواحدة، وطمس وتبديد القضية والمشروع الوطني الفلسطيني، والإصرار على تمزيق وحدة الشعب، وتسييد الانقلاب الحمساوي على محافظات الجنوب، لأنه كما ذكرنا أكثر من مرة هنا، هو مصلحة استراتيجية إسرائيلية، ولهذا نلاحظ كلا الطرفين الإسرائيلي والحمساوي الإخواني يحرص على صيغة التفاهمات المذلة، ولهذا تمرر حكومة نتنياهو ملايين الدولارات القطرية لقيادة الانقلاب الحمساوية، لتضخ في شرايينها دم البقاء، والاستمرار.
هذه الجريمة تتطلب أولا التوجه لمحكمة الجنايات الدولية لملاحقة إسرائيل عليها؛ ثانيا التوجه لمجلس الأمن لاستصدار قرار أممي جديد، وإن لم نتمكن فلنتوجه للجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان لاستصدار ايضا قرارات أممية جديدة لصالح تأكيد الحقوق الوطنية؛ ثالثا مطالبة دول وأقطاب العالم الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الروسي، الصين الشعبية، الهند والأرجنتين واليابان وكل المجموعات القارية والأممية بإعلان مواقف نوعية لصالح دعم كفاح وحرية الشعب الفلسطيني، وفرض عقوبات سياسية واقتصادية وأمنية على دولة التطهير العرقي الإسرائيلية. آن الأوان لتغيير قواعد اللعبة على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى العالم أن يخرج عن سياساته التقليدية غير المجدية، وقبل ذلك تملي الضرورة قصم ظهر الانقلاب الحمساوي، واستعادة الوحدة الوطنية فورا.
جريمة وادي الحمص
23-07-2019
مشاهدة: 157
عمر حلمي الغول
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها