ليس جاهلاً بالتاريخ، وإنّما تقصد الإيحاء أنّ المقاومة الفلسطينية جاءت مع حماس، وهذا الأمر لا نراه إلا محاولة إغراء لقيادات حماس ليمعنوا في ربط (فلسطين) وقضية فلسطين في محاور وأحلاف إقليمية لا تقبلها قيادة الشعب الفلسطيني الشرعية، وتحاذر السقوط في متاهتها، فالدخول في تحالفات إقليمية  لا ينسجم مع منهج النضال الوطني الفلسطيني القاضي بتأمين المصالح العليا للشعب عبر العمل على كسب ما أمكن من قوى العالم إلى جانب قضيتنا، وتوسيع دائرة الأصدقاء، أما الدخول في تحالفات وتناقضات وصراعات إقليمية أو حتى دولية فإنه يكلف قضيتنا الكثير، ما يوسع دائرة أعداء نكون قد دفعناهم  بأيدينا إلى موقف دولة الاحتلال وحلفائها.
يعلم المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي أن الثورة الفلسطينية المعاصرة لم تبدأ بالحجارة، وإنما ببندقية مسيسة قبل 54 عاما، وأن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية الوطنية خاضت مرحلة كفاح مسلح سجلت فيها إبداعات ثورية، قتالية، كفاحية، نضالية قبل نصف قرن من الآن، وأنه لا يجوز حصر الكفاح  والنضال الفلسطيني بمرحلة الانتفاضة الكبرى الأولى  حيث شهد العالم سنوات مقاومة شعبية بالحجارة ابتداء من العام 1987، وكانت تعبيرا ابداعيا فلسطينيا نضاليا متلائما مع الظروف المحلية والعربية والدولية حينها، وربما إرهاصا للمعركة السياسية  الدبلوماسية في ميدان القانون الدولي، لذا لا نرى صوابا فيما قاله المرشد أمام وفد المكتب السياسي لحماس الذي كان يجب أن يتمتّع بروح وطنية ولو بنسبة واحد من المئة، فيدلون بما يعرفون حتما من الحقيقة، لأن صمت أعضاء الوفد أمام المرشد خامنئي عندما قال: " خلال السنوات القليلة الماضية كان الفلسطينيون يناضلون بالحجارة لكنهم اليوم يمتلكون صواريخ دقيقة بدلا من الحجارة"، صمتهم يعني قبولهم بأي توصيف يقزم النضال الوطني والكفاح الفلسطيني المعاصر على مدى أكثر من نصف قرن، ما دام الأمر يحقق مكاسب مادية لجماعتهم!!
لابد من التأكيد قبل الذهاب بعيدا في هذا السياق أننا مؤمنون بمنهج المقاومة الشعبية السلمية ولا نروج للعمل المسلح، وهذا التزام ثابت قاطع ببرنامج منظمة التحرير  الفلسطينية، عدا عن إيماننا الشخصي بمنهج الكفاح الوطني السلمي حتى إنجاز الاستقلال وتحقيق النصر وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة.. لكن الحقائق التاريخية  تفرض علينا ذكرها ما دام يصر البعض على إنكارها، فهذه الحقائق باتت جزءا من كينونتنا الوطنية نفخر به وسنبقى نعتز به لأنه كان سبيلا قويما في حينه أوصلنا إلى وضع أقدامنا على أرض وطننا فلسطين، وابتداء أشكال نضال مشروعة مباشرة من القدس، ومن كل مكان في أرضنا.
سيكون مفيدا تذكير المرشد بأن صواريخ الثورة الفلسطينية، الدقيقة أصابت أهدافها بدقة في ضواحي تل أبيب (بتاح تكفاح) قبل خمسين عاما، هي الصواريخ التي حملها فدائيو حركة التحرير الوطني الفلسطيني  فتح على أكتافهم  وقطعوا نهر الأردن رغم مخاطر الغرق  والانكشاف للعدو.
 وسيكون مفيدا أكثر تذكير وفد حماس الصامت الأخرس في حضرة الخامنئي بما كتبه الرئيس محمود عباس في كتابه (الصهيونية بداية ونهاية) عن تأثير المقاومة والعمل الفدائي الفلسطيني على أركان مشروع  الحركة الصهيونية، وتأثيره المباشر على حركة الهجرة المعاكسة في دولة الاحتلال، علما أن الصهيونية في نظر بن غوريون نبي الصهيونية كانت تعني الهجرة إلى فلسطين أولا وثانيا وثالثا وأخيرا، فقد كتب في العام 1975 أي قبل 45 عاما: "إن الأعمال الفدائية لشبابنا كانت أسبابا في إنجازاتنا السياسية والإعلامية التي حققناها، وكان تأثيرها مباشرا في ضرب الهجرة اليهودية إلى إسرائيل  التي هي الركن الأساس للحركة الصهيونية.
 نفهم أن ايران دولة كبيرة وقوية وريث لإمبراطورية فارس، ونتابع سعيها للاستحواذ على مناطق نفوذ، وتشكيل جماعات  وأحزاب مسلحة موالية لتخوض  حروب طهران بالنيابة، لكن ما فعله المكتب السياسي لحماس لا يقبله عاقل يفقه السياسة، أو مبتدئ مازال في مرحلة ربط ألف باء السياسة لتكوين جملة مفيدة.
لا تعنينا تبريرات حماس لتوقيت الزيارة، ولا تعنينا تفسيراتهم التي يشبعونها بالتفسيرات الوطنية والدينية، لأن ما يعنينا هو انعكاس مثل هذه الزيارات على الحالة الفلسطينية عامة، فحتى القول إن  تحالف حماس مع طهران الآن سيضرها كجماعة وحدها يعتبر خطأ فادحا، لأننا يجب أن نضع في اعتبارنا دائما أن حماس خطفت مليوني فلسطيني في غزة ومازالت تسيطر عليهم بقوة السلاح منذ انقلابها في العام 2007، والمواطنون الفلسطينيون في غزة سيدفعون ومن أرواحهم وبيوتهم وأملاكهم ثمن تهور مشايخها وقصر نظرهم السياسي.
يذهب مشايخ حماس (أعضاء مكتبها السياسي) للتحالف وإنشاء محور مع  طهران فيما المنطقة عموما ومنطقة الخليج  العربي لم يبق على انفجار بركان الصراع فيها إلا ثوان محدودة.
يذهب مشايخ حماس إلى طهران وكأنهم عميان، طرشان فاقدون لكل أشكال الحس والوعي، يذهبون فيما التوتر بين دول عربية وطهران بلغ حدا ليس بينه وبين الانفجار إلا شعرة.
يذهبون إلى طهران في وقت بدأت تظهر فيه بعض أصوات شاذة ناطقة بالضاد تلوم الفلسطينيين وتتهمهم، وكل ذلك لتبرير علاقة يريدها هذا أو ذاك مع  المحتل الإسرائيلي، وهذه الظاهرة رغم كونها فردية إلا أن خطورتها تكمن في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فكيف إذ يعطيهم مشايخ حماس مادة على طبق من ذهب، ليقولوا بلغة التعميم لا التخصيص: ها هم الفلسطينيون يتحالفون مع ايران التي تهددنا وتحاربنا هنا وهناك، فيزيد هؤلاء - الذين لا يحتاجون أصلاً لذرائع-  جرعة النقمة على الفلسطينيين عموما والقضية، وهم يعلمون علم اليقين أن ما تفعله حماس لا يمثل إلا سياسة مشايخ مكتبها السياسي لا أكثر، ذلك أن رغبة هؤلاء في التكسب وإنقاذ وضع جماعتهم من الإفلاس المالي  وإمعانهم في الذهاب في مشروع الانقلاب إلى حد الانفصال، قد أعمى بصيرتهم وجعلهم يتخبطون، ولا يدرون فظاعة المصائب والويلات التي سيستدرجونها للشعب الفلسطيني عموما، ولمليوني فلسطيني في قطاع غزة تحاصرهم دولة الاحتلال، وتحاول حماس  إخضاعهم وإذلالهم.
يذهب مشايخ حماس إلى محور وحلف مع طهران، وكأنهم في مهمة تأكيد رواية نظام تل أبيب الظالمة القائلة إن "الفلسطينيين ليس لديهم نظام سياسي واحد، وليس لديهم سلطة واحدة، وأنهم يتحالفون مع ايران التي تهدد بإزالة إسرائيل من الوجود"، ويرفع ساسة النظام العنصري في تل أبيب حدة الدراما في هذه الرواية عندما ينسخون احاديث مشايخ حماس عن صواريخهم  بعيدة المدى (دقيقة الإصابة)، وعن قدرتهم على إزالة مدن إسرائيلية عن الخارطة، ويعيدون لصقها ملايين المرات في ذاكرة العالم،  المسيطر عليها بآلة إعلامية صهيونية، تبث برامج موجهة (بدقة) فيتراجع العالم ثلاث خطوات بعد تقدمه نحونا خطوة نوعية في المحافل الدولية وفي شتى الميادين!
إن حديث المرشد خامنئي عن صواريخ  فلسطينية دقيقة، وحديث مشايخ حماس عن محور مقاومة مع ايران وعن صواريخ دقيقة بعيدة المدى، خدمة مجانية لنتنياهو الذي طالما تذرع قال إن "انسحاب جيشه من الضفة الغربية سيجعلها مباحة أمام الإيرانيين، الذين سيتحالفون مع حماس التي ستظهر بقوة في الضفة الغربية بعد غياب الرئيس أبو مازن عن المشهد السياسي"، ويمكننا إدراك ذلك من عدد وحجم ونوعية  التقارير الممولة في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي الحافلة بهذا الاتجاه والمضمون رغم وضوح تدني الحرفية فيها.
قد يحصد مشايخ حماس بعض المكاسب من طهران، لكن العدوان الإسرائيلي القادم سيحصد آلاف المواطنين الفلسطينيين في غزة بحجة تدمير الصواريخ الإيرانية في غزة.. فيما مشايخ حماس يحصدون المكاسب المادية والفئوية من الكلام الصاروخي الذي اطلقوه في حضرة  المرشد خامنئي.