في عملية البناء أسُس يتم وضعها والتخطيط لها، وإلا فإنَّ عشوائية الفعل ستؤدي للغوص في مستنقع المخالفات والأخطاء التي لن تقيم مبنى، ولن تؤسس لاستدامة مرتبطة بمفهوم البناء.
إن البناء يفترض التخطيط مسبقًا، وهو مما نسميه ارتكاب الأخطاء على الورق، لأن الخطأ على الورق قابل للمعالجة الفورية إمّا عبر الممحاة أو بإلقاء الورقة في سلة المهملات والبدء من جديد.
البناء أو التربية أو التثقيف وأي من مفاهيم التعامل مع الذات الإنسانية، والكوادر التنظيمية ومع الناس ليست معادلات رياضية صارمة أبدا، وإن كان للعلمية في العمل دور رئيس لا يُهمل.
التربية والبناء والتعبئة على صعوبتها تحتاج لأسس ومنطلقات علمية، ولكنها مرِنة بفنون الاتصالات، وهي قابلة للتغيير في سياق الفصل الذي نطرحه بين مرحلتي التخطيط ثم التنفيذ، وهذه الأسس متشابهة مع عملية الزراعة في مقارنة لطيفة، فحيث ارتبطت التربية بالوعي والسن فإن التثقيف والتدريب وطلب العلم بتجاوز السن ليكون في كل مرحلة عمرية وفي جميع الأحوال لابد من تحقق شرائط الزراعة أو البناء.
نحن في سياق عملنا التثقيفي والتدريبي والتعبوي في التنظيمات السياسية والثورية نخوض عملية تغيير ذاتية ومجتمعية وتنظيمية في الأفكار والتوجهات، وعبر الممارسات، ومن خلال غرس القيم وهي عملية لا تكتمل بدون رعاية دائمة ومتابعة قيادية، ولا تستقيم بتدافع الأرجل على حوض الزهور، بل تُحقق نتائجها متى ما سارت الخطوات بنفس النسق والتناغم ليقال أن التربة أو الزراعة تؤتي ثمارها.
إن التغيير الإنساني والتغيير في التنظيم لا يسير وفق معادلة واحد زائد واحد يساوي إثنان لأنّه قد يساوي صفرا وقد يساوي عشرة استنادا للطريقة والمناخ والسياسة مما سنبيّنه.
الطريقة والمناخ والسياسة
إن الزراعة تفترض تهيئة أولية للتربة، وتواصل بلا كلل في التعامل مع التربة والنبات لا يجوز فيها تزاحم الأقدام كما لا يجوز فيها تضارب الغِراس.
إن طرائق القيادة التي تحرّض وتحثّ وتحفّز الكوادر على تبني مفاهيم بناء الذات وتحسين الاتصالات مع الآخرين وعلى التناغم بالفعل بين كافة مكونات التنظيم والتي تسعى لتقديم العمل على التنظير ولكن ضمن الخطاب والفعل الموحد هي الطرائق الداعمة لعملية التثقيف المثمر.
بلا شك أن المناخ القيادي الإيجابي وهو المناخ الذي يشيعه المسؤول الأول في موقعه له من الدور الكثير، فمتى كانت الإيجابية والحماسة والمبادرة ودعم الأفكار الجديدة والسعي لتنفيذها في حدود المتوفر من الخطط والميزانيات وبما يتوافق مع السياسات بقدر ما يكون مثل هذا المناخ فعالا في النتيجة ومحققا للإنجازات.
ذكرنا أن طرائق القيادة والمناخ مع سياسات التنظيم الداخلية والخارجية حزمة متكاملة داعمة للعمل التثقيفي والتدريبي والتربوي ولنضرب على هذه الحزمة مثلاً.
فكيف من الممكن لقيادي مستبد لا يثق بجنوده أن يرسم سياسة تفاؤلية إيجابيّة حاثّة على العمل؟ وهو يشيع مناخا من السلبية والتشكك والبغضاء بين الأعضاء وفي ذات الوقت يغرد خارج سياسات التنظيم أو خارج قرارات قيادته؟
التثقيف وسياسة التنظيم
إنَّ هذا لا يستقيم، لذلك فإن عملية التثقيف لن تكون منفصلة عن البرنامج السياسي والنظام الداخلي وفكر المنظمة (التنظيم) ما هو أساسيات الانتماء للتنظيم، ولتأتي حزمة المناخ والطرائق والسياسات لتجعل من السُبُل المتعددة ممهدة لإحداث التغيير عبر التثقيف وعبر المتابعة في معادلة من الممكن أن نرسمها كالتالي : الفكر السياسي والبرنامج السياسي والنظام الداخلي مع الأسلوب متمثلا بطريقة القيادة والمناخ التنظيمي والسياسات ثم بأدوات البناء من التوعية والتثقيف والتدريب تكون النتيجة تغيير في المفاهيم وتحقيق أو تمتين الزرع أو البناء.
الفكر الأسلوب البناء النتيجة
*الفكر السياسي * طريقة القيادة * توعية تغيير في المفاهيم
*البرنامج السياسي + *المناخ التنظيمي + * تثقيف = وتحقيق أو تمتين
*النظام الداخلي *السياسات * تدريب الزرع أو البناء.
ما نريد أن نلخصه بوضوح أنَّ العمل التنظيمي بكافة مكوناته ليس أعمالا منفصلة، بمعنى أنّه لا يمكننا القول أن العمل الاجتماعي لا يتناغم مع العمل الثقافي أو مع العمل الجماهيري أو مع العلاقة مع المؤسسات ضمن المؤسسة أو التنظيم السياسي وإنَّما هي كل متكامل.
إذ أنه في الحقيقة دون تناسق وتقاطع وتكامل مختلف الملفات فإنَّ فعل التثقيف والتربية داخل الأطر التنظيمية يفقد قدرته واندفاعه وتأثيره حين يرى العضو أو الكادر أن مضمون ما يقدم له من وجبات فكرية تثقيفية لا يتسق مع سياسيات التنظيم أو افتقاده للمتابعة ما يوجب التغيير في أحدها، أو يصبح الانفصال بين النظرية والتطبيق فعلا فاضحًا.
الثقافة التنظيمية وحديقة الزهور
10-07-2019
مشاهدة: 174
د.بكر أبو بكر
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها