لسنا بصدد حملة إعلامية ضدّ "المؤسّسات والمواطنين أصحاب الرأي الآخر"، كما يزعم بيان "الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة – أمان-" وبرغم ما في هذه الجملة الواردة في بيان هذه المؤسسة غير الحكومية، من اطلاق لا يتّفق مع الواقع فليست "أمان" هي كل المؤسسات، ولا هي الناطق الرسمي باسم المواطنين أصحاب الرأي الآخر!! بل وبرغم ما في هذه الجملة من شعبوية فاقعة حيث المواطنون في غاياتها السياسية، كلهم أصحاب رأي آخر (!!) وهذا ما لا يتّفق مع الموضوعية، ولا مع النزاهة، ولا مع قيم الديمقراطية التي تلزم بضرورة الصدق، وبعدم الإطلاق والتعميم كيفما اتفق، وكان الأجدر ببيان "أمان" أن يقول في هذه الجملة تحديدًا -المواطنين من أصحاب الرأي الآخر- وكنا سنقبل ذلك دون أي نقاش، نقول برغم هذا التجني الجديد في جملة بيان "أمان" لسنا ولن نكون بصدد حملة إعلامية ضد مؤسسات المجتمع المدني التي تفرض الموضوعية ضرورة خضوعها للمساءلة أيضا، لتعزيز قيم الديمقراطية على نحو منتج ومثمر.

ولسنا أيضًا بصدد الدفاع عن هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية، لأنَّ تقرير مؤسسة "أمان" تجنى عليها بمعلومات خاطئة، فيما يتعلّق بعدد موظفي العقود فيها، ولسنا بهذا الصدد لأنَّ من يعمل تحت الشمس، لا يخشى القيل والقال، وهو أدرى أنّ الشجرة المثمرة هي التي تضرب بالحجارة، ثُمّ إنّ الهيئة في تقرير أمان "متهمة" بتشغيل العاطلين عن العمل من خريجي كليات ومعاهد الإعلام، وبرغم أنّ الرقم الذي أوردته "أمان" في تقريرها بهذا الشأن مغالط للواقع تماما، لكن هذه التهمة في الواقع والمجاز في ذات الوقت، هي تهمة مشرفة، حين تلجأ هيئة الإذاعة والتلفزيون، للمتاح من الصيغ القانونية في هذا الاطار، لتشغيل العاطلين عن العمل من أصحاب المهن الإبداعية، هذه المهن التي ما زالت بحاجة إلى تعديلات في قانون الخدمة المدنية، كي يستوعبها على نحو يدرك خصوصيتها، وضرورة تمييزها دون تعقيدات بيروقراطية، ولا نفهم كيف غاب عن تقرير "أمان" هذا التقدير، اللهم إلّا إذا كان شعار هذه المؤسسة "عنزة ولو طارت" أو كانت ملزمة بالتصيّد في مياه تعكرها بحجر معلومات غير دقيقة!!

لسنا في حملة إعلامية ضد "أمان" ولا ضد غيرها من مؤسسات المجتمع المدني التي نراها من ضرورات التطور والتقدم في مسيرة شعبنا الحرة، نحو تحقيق كامل أهدافه العادلة في الحرية والاستقلال، لسنا في حملة من هذا النوع، ولن نكون، ولكن قيم الديمقراطية التي تقول "أمان" إنها تدافع عنها، تلزمنا بضرورة التوضيح وتبيان الحقيقة، وسنظل مع المساءلة من أجل النزاهة، شرط عدم التسييس، وعدم التلاعب بالمعلومة وفق غايات مدفوعة الأجر!! وسنظل مع المساءلة كضرورة تصويب وتقويم، وأن تطال الجميع في بلادنا، مؤسسات حكومية، وشبه حكومية، وغير حكومية وأهلية، وهذا ما يجعل من الديمقراطية وقيمها فاعلة على نحو بناء، مثلما تستحق فلسطين، الوطن، والشعب، والقضية، والنضال الوطني في دروب مشروعه التحرري للخلاص من الاحتلال، وإقامة دولة فلسطين المستقلة، بعاصمتها القدس الشرقية، وتحقيق الحل العادل لقضية اللاجئين وفق القرار الأُممي 194، وهذا ما يستحق شعارا من الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة إن يقول: نريد فلسطين أكثر نزاهة، لا ذاك الشعار الذي أطلقته قبل هذا اليوم والذي قال: "نريد فلسطين أقل فسادًا"، وكأنَّ فلسطين مستنقع فساد (!!) وهذا قول لا علاقة له بالحقيقة والواقع، مثلما لا علاقة له بالتحريض على محاربة الفساد حقًّا، إذ هو شعار مُحبِط أكثر من أي شيء آخر!!! أكثر نزاهة، لا أقل فسادًا، خاصّةً وأنّ مؤسسات السلطة الوطنية بحكومتها، ومختلف دوائرها، بأوراق ومعلومات مشهرة ومتاحة للجميع، في الفضاء الإلكتروني، ما يجعل المساءلة الموضوعية ممكنة، وهذه بالطبع من أبرز شروط تحقيق النزاهة في هذا الاطار، النزاهة التي نريدها دائما بأعلى وأوضح وأجمل وأصدق درجاتها ومستوياتها، فهذا ما يجلعنا أقوى تمامًا في مسيرة شعبنا النضالية كي تصل إلى منتهاها الأكيد حيث الدولة والحياة الآمنة المستقرة بالكرامة الاجتماعية وعدالتها وبالقيم الديمقراطية التي تدفع دائمًا إلى أمام نحو الازدهار والتنور والحضور الإنساني الأبهى دائمًا.