تشتدُّ أزمات نتنياهو مع تفاقم أزمةِ تشكيل حكومته الخامسة، التي تواجه استعصاءات متعدّدة من قِبَل القوى اليمينية، بعد أن فشل الخميس الماضي (23/5/2019) من الوصول لاتفاق مع ليبرمان، ولم يعد يملك في اليد سوى ائتلاف ضعيف لا يتجاوز الـ60 مقعدًا، هذا إذا تمَّ إرضاء جميع أطراف الائتلاف الجديد. وفي السياق تتلازم الأزمات، وتثقل كاهله مع اندفاعته القوية بعد الانتخابات البرلمانية في التاسع من نيسان/ أبريل الماضي (2019)، وتأكيد تكليفه رئاسة الحكومة الخامسة لتمرير مشروع قانون الحصانة، أو "القانون الفرنسي"، الذي اصطدم ليس بالمعارضة السياسية والقضائية فقط، إنَّما بصراعات داخل حزب الليكود نفسه، حيثُ بدأت كرة اللهب تتوسّع داخل الحزب الرئيس في (إسرائيل)، ممَّا دعا نتنياهو إلى التراجع عن وضع مشروع القانون جزءًا من صفقة الائتلاف الحكومي.
ولو عُدنا لما تشهده الساحة الداخلية (الليكود) والخارجية (المعارضة) حول قانون الحصانة، الذي يريد بيبي من خلال تمريره "الإفلات من دوامة السجن"، و"تبرئة ذاته بطرق التفافية مكشوفة ومفضوحة"، نرى أنَّه على صعيد الحزب لم تقتصر المعارضة على سنِّ القانون المذكور عند شخص جدعون ساعر، خصم نتنياهو اللدود، الذي تقوم عصابة رئيس الحكومة بالتحريض عليه بهدف اغتياله، وتصفيته، لأنَّهم يصفونه بـ"الخائن" مرة، وبـ"اليساري" مرة أخرى، وهو اليميني الأكثر تطرُّفًا من نتنياهو نفسه، وإنَّما شملت عددًا من قيادات الحزب وكوادره وقواعده، ويبدو أنَّ الحملة المعارضة لخيار نتنياهو تتّسع، لا سيما أنّها انتقلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وباتت مفتوحة على الفضاء الواسع، فشملت قواعد الليكود والشارع الإسرائيلي على حدٍّ سواء.
ومن بين أقطاب الليكود المعارضين لتمرير مشروع القانون، الذين يقف ساعر على رأسهم، يمكن ذكر كلٍّ من ليمور لفنات، وبيني بيغن، ودان مريدور، وروني ميلو، والمجموعات الليكودية على موقع الـ"واتساب". وهؤلاء ليسوا أرقامًا، ولا عناوين هامشية في داخل الحزب، بل لهم وزنهم وثقلهم المؤثِّر، وجميعهم اعتبروا محاولة تمرير القانون أمرًا مُعيبًا وفضيحةً كبيرة لليكود عمومًا ولنتنياهو خصوصًا، لا بل إنّهم استخدموا عباراتٍ أشدَّ قسوة في توصيف حالة رئيس حزبهم، فجاء في تصريح بيغن: "إنَّ اختباء نتنياهو خلف درع الحصانة، هو أمر فاسد، ولا يهم إذا كان الأمر يتعلَّق بقانون قائم أو قانون جديد"، وأضاف: "إنَّ نتنياهو يُسيء استخدام السلطة، التي وضعت في يديه لأغراضه الشخصية، وكل عضو يؤيّد قانون الحصانة، يؤيّد الفساد".
أمّا معارضة المعارضة فشملت الجميع، من تكتُّل كاحول لافان إلى العمل إلى ميرتس إلى القوائم الفلسطينية العربية، إلى القُضاة وغيرهم من مؤسسات المجتمع، وحتى داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. هناك شبه إجماع داخل (إسرائيل) يرفض تمرير القانون الفرنسي، لأنَّهم يعتبرون تشريعه بمنزلة تكريس مكانة (إسرائيل) كدولة من العالم الثالث. وهذا ما أشار له اليكيم روبنشطاين، المستشار القضائي للحكومة سابقًا، والقاضي في المحكمة العليا في لقاء مع الإذاعة الإسرائيلية العامة يوم الخميس الموافق 16/5/2019 صباحًا، عندما قال: "إنَّ تمرير القانون سيُحوِّلنا إلى دولة عالم ثالث، وهذا الأمر بنظري لوثة. كما أنَّ قضاة المحكمة العُليا يعارضون قانون حصانة رئيس الوزراء، وقالوا يوم الجمعة الماضي (24/5/2019): "لن نتردَّد في اتِّخاذ كافة القرارات لوقف هذا القانون".
وفي محاولة للردِّ على الحملة المتعاظمة ضدَّ تمرير القانون، قال نتنياهو نقلاً عن القناة الإسرائيلية 12: إنَّ "مواطني (إسرائيل) عرفوا بوضعي، وانتخبوني"، فردَّ عليه يتسك شمولي، رئيس كتلة حزب العمل على موقعه في "توتير" بالقول: "لا يا بيبي، مواطنو (إسرائيل) يستحقون رئيس حكومة بوظيفة كاملة، وليس مشتبهًا بمخالفات جنائية، ولا يحاول تحويل الكنيست إلى مدينة ملاذ للفاسدين".
وكان يائير لبيد، من تكتُّل "أزرق أبيض" قد ردَّ أيضًا على ما ادّعاه رئيس الليكود قائلاً على (تويتر): "طيلة الحملة الانتخابية، وأنتَ تنفي أنَّك ستعمل على تمرير قانون الحصانة، والآن تدَّعي أنَّ الجمهور انتخبك لذلك؟ توقف عن الكذب، لقد انتخبك الجمهور لقولك، إنّك ستُثبت براءتك، وليس لكي ترتّب لنفسك تذكرة خروج من السجن".
رغم تراجع نتنياهو عن تمرير مشروع القانون، أو ربطه بتشكيل الائتلاف الحكومي، غير أنَّ هناك مؤشرًا واضحًا يشير إلى أنَّ بنيامين نتنياهو بدأ العد العكسي، ونجمه آيل نحو السقوط والأفول، رغم تكليفه بتشكيل الحكومة الخامسة، والتي قد يصادق عليها الكنيست الـ21 بأغلبية 60 مقعدًا فقط. غير أنَّ ذلك لا يعني تعزيزًا لموقعه، بل العكس، لأنَّ الجلوس على كرسي رئاسة الحكومة في اللحظة السياسية الراهنة، لا يعني أنّه يحظى بثقة الشارع الشعبي والحزبي والسياسي، بل هو أشبه بالجلوس على مقعد غير مستقر، وإمكانية سحب الكرسي من تحته، هي إمكانية قائمة في كلِّ لحظة، خاصةً أنَّ قضايا الفساد تُطارده شاء أم أبى.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها