(إذا قُتل أبني أريد أن أجد له قبرًا)، (ليس لدي الكثير من الوقت أريدُ ابني بجانبي، صحتي ليست جيّدة).

هذا ما نشرته صحيفة إسرائيلية عن لسان زهافا شاؤول والدة الجندي في جيش الاحتلال الإسرائيلي (أورون شاؤول) غير المعروف مصيره حتى الساعة بعد دخوله مع قوات جيش الاحتلال إلى داخل المناطق السكنية في غزة أثناء العدوان على شعبنا في غزة في العام 2014.

نحسُّ ونشعر بأحزان هذه السيدة باعتبارها (والدة الجندي أرون) لا تعرف مصير ابنها حتى الآن، وكان لها أن تبلغ محطّة الإنسانية لو أنَّها تابعت وطرحت قضية ولدها (كأُم).

سنُذكِّر السيدة زهافا بما حدث للفلسطينية أم إبراهيم الخطيب التي بلغت سنوات عمرها قبل أن ترقى روحها إلى بارئها أكثر بكثير من السنوات التي مرَّت على دولة السيدة زهافا (إسرائيل) منذ إنشائها.

سنلفتُ نظر والدة الجندي إلى أنَّ ابنها وحسب القانون الدولي هو جندي في جيش الدولة القائمة باحتلال دولة فلسطين وعليه فإنَّه لا ينطبق عليه قانون المقاتلين من أجل الحُرّيّة، ورغم ذلك سنأخذ في الاعتبار كونها والدة.

سنُذكِّرها بأنَّ الأم والوالدة الفلسطينية أم إبراهيم الخطيب انتظرت 16 سنة لتمنح ابنها كامل الخطيب دفء وجنتيها قبل ساعات من وداعها الحياة الدنيا والعودة روحًا واسمًا وجسدًا إلى تراب أرضها الطبيعية والتاريخية المقدسة في فلسطين كما خلقت منه منذ أكثر من تسعين عامًا.

كامل الخطيب ابن الأم الفلسطينية أم إبراهيم كان مناضلاً ومقاتلاً من أجل الحرية عندما وقع في الأسر، وهو حسب القانون الدولي يمتلك شرعية قانونية أُمَمية لمقاومة الاحتلال، ورغم أنَّنا نقدر حزن زهافا على ولدها، لكن هل علمت زهافا أنَّ أم إبراهيم كانت قد هيَّأت عقدًا من الورود لتقليد صدر ابنها به، لكن القدر لم يمنحها الفرصة، وإنَّما منحها فقط فرصة القول لابنها المحرَّر: "الله يرضى عليك يمّا"، كما منح ابنها دفء اللحظة الأخيرة من جبين والدته وأمه. فالوالدة مثل أم إبراهيم عندنا أكبر وأعظم من مجرد والدة إنَّها (أم). فهي بالنسبة لأبنائها أول وطن يعرفونه، فما بالك ياسيدة زهافا أن أمّ إبراهيم شاهدة على جريمة دولتك بحق الفلسطينيين الذين أجبرهم إرهابها ومجازرها والخوف من جرائمها على الهجرة واللجوء قبل سبعين عامًا.

سنذكر والدة الجندي أورون شاؤول بما قالته الصحفية الإسرائيلية أوشرات كوتلر مقدّمة نشرة أخبار (نهاية الأسبوع في القناة 13) الإسرائيلية ولعلَّ شهادتها تقنع والدة الجندي فالصحفية كوتلر قالت عن جنود جيش الاحتلال من وحدة (نيتسح يهودا) ما يلي: "تصرَّفوا كحيوانات بشرية في قضية الاعتداء على أسرى فلسطينيين مُكبّلي الأيدي، ومعصوبي الأعين". ثُمَّ أضافت الصحفية ما كان يجب أن تسمعه أم الجندي أورون التي قالت: "يرسلون أولادكم فتية للجيش، يرسلونهم للمناطق، ويعودون لنا حيوانات بشرية، وهذه هي نتيجة الاحتلال". وهذا مُثبَت في صحيفة معاريف التي نشرت نصَّ حديث الصحفية.

كان على السيدة زهافا الترفع والنظر للأمور بعين (أُم) فهي إن كانت والدة لجندي مازال مصيره مجهولاً، فإنَّ أكثر من ستة آلاف والدة وأم فلسطينية ينتظرن أبناءهن، فهن يعرفن أنَّ أبناءهن أحياء في معتقلات دولتها الاستعمارية الاحتلالية العنصرية التي قال الذين غادروها بعد عقدين أو أكثر أنها لا تصلح لحياة الآدميين وتحديدًا معتقل النقب الصحراوي حيث أمضى كامل الخطيب ابن أم إبراهيم 16 عامًا، هي زهرة شبابه في حياته في زنازين الظلم والاستكبار والاستبداد والاحتلال العنصري.

كان على زهافا مساعدة ولدها إن كان حيًّا، عبر الارتقاء إلى مستوى (أم) والتعبير بشكل واضح وصريح وجريء عن انتمائها إلى مجتمع الإنسانية، فتشعرنا أنَّها كوالدة لجندي مفقود على الأقل تشعر بمعاناة وأحزان أمهات وزوجات آلاف الأسرى الفلسطينيين وتشاركهن آمالهن برؤية أبنائهن بينهن، كما تأمل هي برؤية ولدها أرون.. ومن المفيد أن تعلم زهافا أنَّ كلَّ والدة فلسطينية لها ولد أسير في معتقلات الاحتلال تعتبر حرية ولدها منقوصة مالم يتحرَّر كل الأسرى، فالفلسطينية تفكر بعقل وعاطفة الأم أولاً، وإلّا لما كانت قضيتنا حية حتى الآن، ولما ورث الأبناء مبادئ النضال المشروع من أجل الحُريّة والاستقلال عن آبائهم وأجدادهم.. وقد يكون مفيدًا لزهافا أن تفعل كما فعلن عضوات (حركة الأمهات الأربع) الإسرائيلية المناهضة للحرب عندما طالبن بانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، بعد سقوط أبنائهن قتلى في مروحية للجيش.. ولعلم زهافا فإنَّ حركة الأمهات الأربع دعت الحكومة الإسرائيلية للتراجع عن الحرب، واستخدام العنف ضد الفلسطينيين، والانسحاب من الأراضي الفلسطينية ومن خلال المفاوضات.

كان على السيّدة زهافا أن تطالب بنيامين نتنياهو وبيني غانتس، وموشيه يعلون وأورنا باربي ورافي بيرتس، بالكف عن العدوان على الشعب الفلسطيني، والانسحاب من أراضٍ دولة فلسطين المحتلة منذ الخامس من حزيران في العام 1967، وفك الحصار عن قطاع غزة والصراخ بوجه أعضاء الكنيست العنصريين الذين قرَّروا اقتطاع مخصصات الأسرى الفلسطينيين من أموال الضرائب الفلسطينية، كان عليها أن تقول لهم : قوانينكم عنصرية، وانتم تلعبون بمصائر وحيواة أولادنا، كما لا تعنيكم حيواة ومصائر عشرة ملايين فلسطيني وأكثر، فالحرية يا سيدة زهافا عقيدة إنسانية لا تعرف الجنس والعرق، ومن يطالب بحرية ولده عليه أولاً الامتناع عن سلب الآخر حريته، أي بمعنى أوضح كان عليك تحميل مجتمعك بكل شرائحه ومستوياته المسؤولية، ولو بمستوى مقبول ومعقول من التعابير الإنسانية، التي تخبرنا أنك معنية أيضا بمعاناة آلاف الأمهات الفلسطينيات .

ربما كان مفيدًا لزهافا الوقوف في هذه الثناء عند كل محفل واجتماع انتخابي لتقول لساسة دولة الاحتلال الذين يتنافسون على سفك دماء الفلسطينيين لضمان الفوز في الانتخابات العامة القادمة: كفوا عن المتاجرة بدماء أبنائنا، اسحبوا أولادنا الجنود لا نريد حروبًا، اطلقوا حرية الأسرى الفلسطينيين بدون استثناء، فهناك آلاف الأمهات الفلسطينيات يتطلّعن لرؤية أبنائهن أحرارًا، فكفّوا عن ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية.