في 27/1/1987، وفي مخيَّم شاتيلا، مخيّم الشهداء استُشهِدَ القائد علي أبو طوق بعد أن استهدفته ومن معه من رفاقه قذيفةٌ كانت مفخَّخةً، ومُعدة لغرضِ التصفية الجسدية.
قبل استشهاده، ضربَ مثلاً رائعًا في سلوكه الفتحاوي القيادي المميَّز، والذي شكَّل مركز استقطاب وتفعيل للكوادر، والمقاتلين المنخرطين على مدار الساعة في أتون حربٍ ضروس، ومعركة شرسة دفاعًا عن الشعب والثورة.
والشهيد علي أبو طوق ابن كتيبة الجرمق، والتي في بداية تأسيسها كانت كتيبةً طلابية ضمَّت نخبة من الطلاب الجامعيين، ونخبةً من القادة المؤسِّسين للعمل الطلّابي، والعمل الثوري والعسكري.
وهو الذي التحق بحركة "فتح" العام 1967 وعمره سبعة عشر عامًا.
وكانت تجربته الأولى في تأسيس اتحاد طلبة الضفّتين في الأردن، والشهيد علي أبو طوق هو أصلاً من مدينة حيفا، ثُمَّ سكنت أُسرته في حمص، وهناك وُلِدَ في العام 1950.
بحكم وعيه الاجتماعي والوطني، وفهمه الراقي لطبيعة الكفاح والنضال ضد الاحتلال، فقد ركَّز بشكل لافت على الطاقات الطلّابية وهي طاقات رائعة ومتفجّرة إذا وجدت مَن يرعاها، ويحرِّكها، ويُوجِّهها.
ومن هُنا كان اختياره وانتخابه عضوًا في الهيئة الإدارية للاتحاد العام لطلبة فلسطين، بعد انتقاله من الأردن إلى لبنان.
وفي لبنان أدَّى أدوارًا عسكرية وتنظيمية، وخاصّةً في جنوب لبنان، وفي كلِّ المراحل والأزمنة، والتي كانت الثورة ومخيّماتُها تدخل في اختناقات قاتلة، كان الشهيد علي قائدًا عسكريًّا وصاحب أُفق سياسي، وفكري، ووطني، وإنساني.
عندما نتحدَّث عن الشهيد علي أبو طوق ومآثره، وإنجازاته الوطنية الطلابية لا يمكننا إلاَّ أن نضعه في واسطة العقد الفتحاوي الشبابي، والطموح إلى صناعة المستقبل، فهو رحمهُ الله جزء من الفريق الذي تربّى على يد خليل الوزير أبو جهاد ورفاقه، والذي كانت بوصلتهُ النضالية دائمًا فلسطين المحتلة، فنحن عندما نتحدَّث عن القائد علي أبو طوق إنَّما نتحدَّث عن الشهداء مروان كيالي، وأبو حسن قاسم، وحمدي محمد باسم سلطان، وهؤلاء الثلاثة أبطال تم اغتيالهم في قبرص بعد أن نفذوا عملية قتلِ عميلةِ الموسادِ الاسرائيلي، التي اغتالت الشهيد القائد أبو حسن علي سلامة، الذي كان ملازمًا للرئيس الرمز ياسر عرفات. ولا ننسى من رفاقِ نضالِ علي أبو طوق، أبو خالد جورج، ومعين الطاهر، وبهاء شاتيلا، وأبو فادي حليمة، والشهيد أبو أحمد العفيفي، وأبو الشهداء ويوسف الشرقاوي، وعنتر سلامة، ومعهم كانت باستمرار الأخت آمنة جبريل مع ثُلّة من الأخوات اللواتي شكَّلْن حالةً ميدانيةً، ومعنويةً، وعمليةً أثناء الصمود في مخيَّم شاتيلا.
رحم الله الشهيد علي أبو طوق، فقد اكتنزَ طاقةً كبيرةً معطاءةً، فأينما يدعوه الواجب ينطلق، ويمترس، ويصنع الانتصارات، فمن شبعا جنوباً، إلى قلعة الشقيفِ التي تعمَّدت بدماء الشهداء رفاق أبو طوق، وكان الشهيد علي من الذين كتبوا صفحاتِ مجدٍ خالدة في هذه القلعة الصامدة. وعندما دعاه الواجب أن يكون في منطقة الشمال إلى جانب الرمز ياسر عرفات، والقائد الصامت أبو جهاد الوزير، كان دائماً في المقدمة، وكان يشكِّل بهمّته العالية مصنعًا للرجولة، والبطولة، والثبات.
ونحن نتحدَّث عن قدرات، وخبرة الشهيد علي العسكرية، ومواقفه البطولية، علينا أن لا ننسى مواقفه الإنسانية، واهتماماته بشؤون الذين يشاركونه همَّ الصمود، والمواجهة، والمعاناة، والحروب المدمّرة، فهو يزورهم، ويطمئن عنهم، ويطمئنهم، ويصنع الحليب لأطفالهم، ويلبي احتياجات الجميع، ويواسي من يفتقدُ قريبًا أو صديقًا، وهذه هي ميزة القائد الذي لا يُفكِّر بنفسه، ولا بمصالحه، ولا بسلامته، وإنَّما يفكِّر برفاق دربه، وبالذين يدفعون ثمنَ الصمود والتحدي، ويرفضون المذلَّة.
باختصار علي أبو طوق هو جزء من مدرسة فتح التي أسستها القيادة التاريخية وعلى رأسها الرمز الشهيد ياسر عرفات، وهنا يجب أن نتذكر وبكل اعتزاز، أن الشهيد القائد علي أبو طوق شرب الانتماء، والممارسة الثورية، والرجولة من المنهجية الفتحاوية التي كرَّسها الشهيد أبو جهاد خليل الوزير، وتربى عليها جيل مكافحٌ من هذه الحركة لا يفكر بنفسه، وإنما يفكِّر بشعبه.
رحل الرجل القائد الفتحاوي والعصامي، ولم يترك خلفه ثروةً، ولا زوجةً، ولا ابنًا. رحل وهو ملفوفٌ بثيابه العسكرية التي لم يفارقها، لكنّه مضى مطمئنًا، مكتفيًا برضى الله، ومحبة المخلصين والأوفياء من أبناء شعبه، وبعد أن سكن قلوبهم فهم يغمرونه بالدعاء، والاستغفار.
اللهمَّ اجعل قبره روضةً من رياض الجنة، واحشره مع الأنبياء، والشهداء، والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
الحاج رفعت شناعة
عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"
مسؤول الإعلام المركزي – لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها