"لا صمت للإرادة إن وجد التحدي.. ولا حدود للطموح برغم الصعاب".. حكاية متكررة تولد من رحم المعاناة، فكيف من يجابه الصعاب ويعاني من إعاقة حركية تلازمه منذ أن كان طفلاً وكبرت معه تحمل في طياتها حكاية وألم.
الشابة مريم فؤاد زيود (35 عامًا) من بلدة السيلة الحارثية غرب جنين، أصرّت على تحدي إعاقتها بشكل يفوق أقرانها من ذوي الإعاقة، لتبدأ رحلة التحدي مع الإعاقة والمرض، الذي سبب لها انحناء في عمودها الفقري منذ أن كانت في عمرها الـ 14، وتم علاجها منه، إلا أن إرادة الله شاءت لسقوطها في مدرستها وهي في صفها الحادي عشر، وفقدت القدرة على المشي.
وحاولت مريم التغلب على المرض، فبدأت بنشر الهمة والابتسامة في عائلتها، وقهر المرض بإرادتها، وابتكار طرقٍ لعلاج إعاقتها، وقامت باستخدام سلك التيار الكهربائي الخاص بمذياعها وتمارس تمارينًا علاجية، عدا عن زيارة المراكز الطبية إلى أن استقرت على عرجٍ في رجلها اليمنى.
ولم تتوقف الهمة العالية لمريم على ذلك، فلا زالت تقف كل يوم أمام المرآة وتخاطب نفسها "أنا اليوم أمشي، بالأمس لم يكن باستطاعتي المشي".
تحدي الشابة الطموحة لم يتوقف على علاج إعاقتها فقط، بل سعت إلى بث الهمم في نفوس أقرانها من ذوي الإعاقة في عمل تطوعي دون مقابل أكثر من خمس سنوات، ثم بدأت العمل ومجموعة من ذوي الإعاقة على تأسيس مركز لتأهيل ذوي الإعاقة ودمجهم بالمجتمع، فرأى النور عام 2006 مركز "إرادة" لتأهيل ذوي الإعاقة، والتابع لبلدية سيلة الحارثية.
وعملت مريم طيلة ست سنوات بعد تأسيس المركز بالتعاون مع صديقاتها من ذوات الإعاقة بالقيام بالعديد من الأنشطة الخاصة بذوي الإعاقة وذويهم، عدا عن إدارة مركز "الإرادة" وتقديم الواجبات المتعلقة بكافة جوانبه.
طموح الشابة مريم، بدأت بلدية سيلة الحارثية بهيئتها الإدارية الجديدة عام 2012 بتقويضه، ليتم تحويلها من مديرة للمركز إلى موظفة ميدانية تزور أصحاب الاحتياجات الخاصة، وهو ما يتنافى مع طموحاتها وخدمتها لأهل بلدها ومقدرتها على الزيارات الميدانية، عدا عن شعورها بالظلم الواقع عليها، حسبما قالت.
ونفى رئيس البلدية وائل جرادات ما اتهمت مريم به البلدية لـ وطن للأنباء، وقال: نحن كإدارة للبلدية تسلمنا كُشوف الموظفين، وكانت مريم مسجلة في عقد توظيفها كباحثة ميدانية فقط، فقمنا بالعمل الجاد على تطوير المركز بإيجاد إدارة وطاقم متخصصين كون مريم لا تحمل شهادة جامعية ذات اختصاص.
وبررت مريم عدم وجود شهادة جامعية معها لظروفها العائلية والصحية؛ ما منعها من عدم إكمال تعليمها، مناشدة كافة المسؤولين أخذ عين الاعتبار لخبراتها وحالتها الصحية.
وتطالب الشابة مريم كافة الجهات المختصة بما فيها وزارتي الحكم المحلي والشؤون الاجتماعية، العمل الجاد على إنصافها، آملة أن يعود لها حقها ودعم طموحها.
وتقول: بكل أسف عملت كثيرًا وتعبت من أجل إنجاح المركز لكن البلدية لم تقدر جهودي، وكأني لم أفعل شيئًا بنظر المجلس البلدي.
ويشيد رئيس البلدية جرادات بحالة مريم المكافحة، التي استطاعت أن تتحدى إعاقتها، وهي مثال يحتذى به ويعتبر حافزًا لبقية أصحاب الاحتياجات الخاصة، بحسب قوله.
وحول مركز "الإرادة"، يوضح جرادات أن "مشروع المركز أصبح عبئًا على البلدية؛ نظرًا لمصاريفه، التي تحاول البلدية جاهدة توفير احتياجاته وتوفير الدعم له، وخدمة المستفيدين منه".
ولزملائها من ذوي الإعاقة والذين عملوا معها جنبًا إلى جنب كلمتهم، حيث تقول إحدى الموظفات في مركز "الإرادة" لطيفة عبيدي لـ وطن للأنباء: إن الإعاقة لا تحد الطموح، ومن لديه إرادة يستطيع الصعود إلى الهدف بشكل تدريجي، كما أنه يجب على كافة المسؤولين أن يعززوا دور أصحاب الإعاقة ودعمهم بدلاً من تهميشهم، كما حدث مع مريم زيود.
وزارة الشؤون الاجتماعية وعلى لسان مدير مكتبها في جنين جمال عمر أكدت أنها تدعم تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة وبالذات من يتحدون إعاقتهم كحالة الشابة مريم زيود، وتأكيدًا على ما كفله القانون الفلسطيني لكافة أصحاب الإعاقة من حقوق.
وأشار عمر إلى أن الوزارة تسعى دومًا للتعاون مع وسائل الإعلام المختلفة من أجل توعية المجتمع بحق أصحاب الإعاقة ودمجهم في المجتمع بشكل فاعل.
وحول مطالبة مريم بإنصافها، قال مدير الوزارة: إن أي قضية كحالة مريم ستدعمها الوزارة، وسيكون لها دور فاعل وأيادٍ بيضاء إلى جانب البلدية لتفعيل قضية مريم وإحقاق حقوقها في حال ثبت حقها إن حرمت منه.
وتبقى قضية مريم صاحبة الهمة عالقة لدى المسؤولين في انتظار البت بها وإنصافها، في حال توفر لها حق لدى بلدية السيلة الحارثية، فهل تجد قضيتها آذانًا صاغية؟.