أثبتت دراسة علمية صدرت، قبل أيام، في لندن، حول تذكّر الأحلام، أن النشاط الدماغي كلما كان فاعلاً تذكّر الشخص حلمه، وأن الذين يعانون من نشاط دماغي أقل لا يتذكّرون أحلامهم. وقالت نظرية أخرى إن الدماغ بحاجة إلى الاستيقاظ من النوم من أجل تخزين المعلومات في الذاكرة.
الظاهر أن النشاط الدماغي لدى المشتغلين بالمصالحة - وهم كثر من قيادات "فتح" و"حماس" وقيادات الفصائل الصغيرة والأصغر والمستقلين ومتعددي الزعامات النخبوية - أقل بكثير من الحالة التي يسمح بها بتذكّر أحداث واتفاقات مسيرة المصالحة التي امتدت لسنوات حتى أصبحت كثور الساقية الذي يدور حول نفسه.
آخر نشاط دماغي ضعيف في جولات المصالحة كان في غزة بين وفد "فتح" الزائر لمهمة واحدة هي إعادة بناء الحركة وتفعيلها... والذي وجد نفسه في خضم مناقشات المصالحة... بحيث تصدرت أخبار المصالحة العناوين الرئيسة في وسائل الإعلام.. وكأنها قاب قوسين أو أدنى .. كثير من الوهم ليس إلا... وفي الوقت نفسه لم تتدفق المعلومات حول الهدف الأساسي من الزيارة، وهل حققته أم أنه الهرب إلى الأمام بإيجاد بديل، وهو المحادثات مع حركة حماس حول المصالحة؟!
غالبية المواطنين لا ترى أي بارقة أمل لتحقيق هذا الحلم، ومن لا يصدق فليذهب إلى الشارع وليسأل الناس.
يمكن لكافة الأطراف الفلسطينية مواصلة المحادثات حول إنهاء الانقسام والمصالحة الغائبة حتى خمسين سنة قادمة، والسبب هو عدم نضوج عناصر المصالحة وهي سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وغيرها الكثير.
الملاحظ أن الحديث عن هذه القضية يعلو ويخمد وفق الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة.. في زمن الإخوان وعندما اعتلى مرسي العياط سدة الحكم في مصر.. انطلقت أصوات "حماس" صارخة: لماذا المصالحة؟! ومن المستفيد؟ ولماذا نعطي تنازلات لمن لا يستحق (عشرات التصريحات لمسؤولين في حماس موثقة حول هذا الموضوع).. ورغم التوقيع على اتفاق القاهرة في زمن الإخوان والذي جاء نصه مطابقاً تماماً لما اتفق عليه في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، بحيث ظل في ديباجة الاتفاق نص تقديم الشكر للرئيس محمد حسني مبارك راعي الاتفاق بعد أكثر من سنة على خلعه.. ولكن هذا التوقيع، أيضاً، جاء لدواع احتفالية، ولكسب مزيد من الوقت أو بمعنى آخر "شراء الزمن".
بعد ثورة 30 يونيو في مصر وأفول زمن الإخوان - أسرع بكثير من جميع توقعاتهم- والانهيار تام لهذه الحركة في أقل من عام من وجودها في الحكم، علماً أن تصريحات سابقة لأقطابها تحدثت عن زمن سيستمر 500 عام مقبل، تغيرت المفاهيم في المنطقة، وتغيرت معها مفاهيم المصالحة الفلسطينية!.
حركة حماس هي الخاسر الأكبر بسقوط الإخوان في مصر، وصعود التيار العروبي / القومي - إذا جاز التعبير - فقد زادت الضغوط على الحركة بشكل يصل إلى حد الخنق؛ نظراً لتصرفات تعتبرها القيادة المصرية، "تخريباً وضرباً في الأمن المصري القومي".. وبالتالي فهي معنية أكثر بشراء الوقت للخروج من هذا المأزق.. وفي الوقت الذي كانت تنظر فيه حركة الإخوان المسلمين إلى امتداد غزي نحو مصر... انقلبت الآية وعادت غزة تنظر مرة أخرى إلى التغيرات في المنطقة وإعادة ترتيب الأوراق خدمة لمصالحها وحكمها.
حركة حماس تركز اليوم على مفهوم "المصالحة الاجتماعية"، بمعنى البحث عن حلول لموظفيها في حال إقامة حكومة وحدة أو تنكوقراط أو سمها ما شئت.. ولكن هذه حكومة فوقية، فما في القطاع لحركة حماس، وما في الضفة لسلطة "أوسلو".. حسب تعبيرهم.
نائب رئيس المكتب السياسي للحركة الدكتور موسى أبو مرزوق خرج بتصريح يرفض فيه تشكيل حكومة على قاعدة إلحاق قطاع غزة بالضفة... ألم يخطر ببال أبو مرزوق أن وحدة التراب الفلسطيني مقدسة، لا ضفة ولا غزة ولا قدس.. ومن يتحدث بهذه اللغة هو كمن يثير نار العنصرية في هشيم هذه المصالحة.. من قال إن الضفة أهم من غزة، أو غزة أهم... سوى من يخاف من المصالحة بمفهومها الحقيقي.
الانتخابات وصندوق الاقتراع والتعددية الحقيقية هي التي ستقرر مصير الشعب والأرض الفلسطينية الواحدة دون تجزئة..
أما إذا رغب البعض بمصالحة على قاعدة الكونفدرالية بين إمارة غزة ودويلة الضفة فهو فعلاً كثور الساقية!.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها