قال لي صديقي الدّمث أبو أحمد سمير هلال، المدير العام لمؤسّسة محمود درويش، الصّرح الحضاريّ الشّامخ في مدينة رام الله: "عندما قرأت الأعمال الشّعريّة لشاعرنا الكبير لاحظتُ أنّه يذكر الزّنزلخت أكثر من مرّة فما هو الزّنزلخت؟"

استغربت في البداية أنّ صديقي لا يعرف شجرة الظّلّ الوفير ذات الأزهار الجميلة التي تتفتّح في أواخر الرّبيع وكانت تنمو في ساحة كلّ بيت فلسطينيّ في قرى وبلدات الجليل، وربّما في جميع المناطق الفلسطينيّة، كما كانت تظلّل المشيّعين في المقابر القرويّة البائسة. ويذكر الخبراء أنّها وصلت إلى بلادنا من أستراليا أو من شرق آسيا وهذا يعني أنّها ليست شقيقة للسّنديان والعبهر والقندول وغيرها من أشجار بلادنا الخضراء الثّابتة في الأرض.

وعندما عدت من رام الله إلى قريتي في الجليل فتّشتُ عن الزّنزلختة في ساحات البيوت وفي المقابر ولم أجدها فسألتُ عنها الأصدقاء والمعارف في المدن والبلدات المجاورة فهزّوا رؤوسهم مستغربين سؤالي.

يعرف بنات وأبناء جيلي شجرة الزّنزلخت ويذكرون اخضرارها وظلّها مثلما يعرفون الأشجار الأخرى ولكنّ الجيل الجديد الذي لا يعرف القندول والبلّان والسّنّاريّة والسّبّيلة والدّريهمة والقرصعنّة لا يعرفونها وربّما لم يسمع بها.

أين اختفت شجرة الزّنزلخت ولماذا اختفت؟ هل عادت إلى أستراليا أم أصابها ما أصاب التّينة الحمقاء في قصيدة إيليا أبو ماضي؟

ونظرًا لإعجابي بالميثولوجيا اليونانيّة ذات الخيال الواسع التي حاولتْ أن تجيب عن أسئلة كبيرة خلقتها الطّبيعة تخيّلت أنّ شجرة الزّنزلخت قالت لجارتها الزّيتونة: أوراقي وعناقيدي خضراء، وظلّي ظليل ولكنّ الإنسان الظّالم منحازٌ إليك ويحبّكِ ويقدّسكِ وقد خلّدك في كتبه الدّينيّة وأمّا أنا فلا دين سماويّ يذكرني ولا شاعر يتغنّى بي. وهذا ما يحزنني ويؤلمني.

أجابتها الزّيتونة: ظلّي دائم وخضرتي سرمديّة وعطائي وافر وأمّا أنت فترتدين لباسك في الرّبيع وتتعرّين في الخريف والشّتاء كما أنّ ثمرك مرّ واعقر لا يأكله إنسان ولا حيوان ولا طائر فوجودك عدم وحياتك زائدة. أين أنت من زيتوني وزيتي؟!

حزنت شجرة الزّنزلخت فاصفرّت ثمارها وأوراقها من الأسى والحسد، وبعد أيّام قالت لجارتها النّخلة السّامقة: ظلّي أرحب من ظلّك، وثمري يصفرّ مثل بلحك، فلماذا اعتبرك الإنسان عمّة له وذكرتك الكتب السّماويّة وتغنّى بك الشّعراء وأمّا أنا فأهملوني؟

أجابتها النّخلة: ثمري في رأسي العالي وثمرك في بطنك الكبير، وحينما يصفرّ ثمرك يصير التّمر الأخرس الذي لا يمسّه إنسان أو حيوان أو طائر بل تتهافت عليه الحشرات وأمّا ثمري فيصير رطبًا وغذاءً مفيدًا شهيًّا.

حزنت الزّنزلختة كثيرًا وصاحت: لا أصدّقك.

أجابتها النّخلة بثقة: مجنون يحكي وعاقل يسمع.

واصفرّت الزّنزلختة وتساقطت أوراقها وجفّت أغصانها وردّدت الطّبيعة: ومن شرّ حاسد إذا حسد.