صفقة القرن التي بشر بها دونالد ترامب، ولم يتم الإعلان عنها بعد، ولكن يتم تقديمها عبر الحراك السياسي الأميركي بصياغات تناسب كل طرف، وقانون القومية اليهودي الذي أقره الكنيست الإسرائيلي، هما من قاعدة واحدة، قاعدة تبنتها الحركة الصهيونية منذ مؤتمرها الأول عام 1897 الذي قاده ثيودور هيرتزل في مدينة بازل في سويسرا، وموضوعه الاستيلاء على أرض الشعب الفلسطيني وإلغاء كافة حقوقه، على اعتبار أنه لم يوجد قط، وأن احتلال أرض فلسطين عبر القوة والنار والحديد ليس احتلالاً بل هو مجرد عودة إلى الأرض التي أعطاها الله لليهود كما في الخرافة اليهودية، وعرض حلول بديلة عن كل قرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي، تحت شعار فرض هذه الحلول وليس الحوار حولها، والتهديد بفرض هذه الحلول بالقوة، والترويج كما رأيناه على يد ترامب بإعلانه القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وتصفيته قضية اللاجئين عبر تمويت وكالة الأونروا بعقوبات مالية شديدة، ومحاولة خلق حلف جديد في المنطقة مع إسرائيل وليس ضدها، وإقرار قوانين من الكنيست مثل قانون القومية، بمعنى أنه لم يعد هناك مجال للنقاش وأن الآمر قد حسم، وتسمين حالة الانقسام الفلسطيني لجعلها حالة أكبر من المعالجة أو جعل الفلسطينيين يبدون مزقاً تتراقص في الظلال توجههم الأوهام وليس المصالح، وإبعاد العرب عن مراكز الصراع وعن جدية الدور بحيث يظهر كل طرف مهتم بمشاكله التي لا تنتهي أو بمعاركه المفتعلة.

هذه الصورة تكاد تكون مأساوية، صادمها بشجاعة الموقف الفائق الوعي للشرعية الفلسطينية وحالة الوحدة غير المسبوقة بين القيادة الفلسطينية وشعبها، وقدرة هذا الشعب على التحمل، وإنتاج مقاومة لا يستطيع الأعداء أن يحيطوا بحدودها، مقاومة فعلية متنوعة الأشكال والتجليات، وانتقال هذا الوعي الفلسطيني إلى مساحات واسعة في العالم بدول كبرى، ودول إقليمية وازنة، وضمير عالمي متسع يدخل طرفاً في المقاومة حتى ليبدو في كثير من الأحيان أن هذا الدور العالمي الأجنبي أكثر حضوراً وفاعلية من الدور العربي المهزوز والباهت.

ترامب منذ إعلانه القدس الذي ألحقه بنقل سفارته إليها يزداد ارتباكاً، حتى أنه عاجز عن إعلان صفقته بالطريقة الدراماتيكية التي يحبها ويجيدها، لأن الفشل أصاب هذه الصفقة قبل الإعلان، وقرار القومية اليهودي الذي أقره الكنيست هو جزء من العدوان المستمر، ليس فيه ذرة من الشرعية بل هو يضاعف من حجم المخاوف اليهودية، لأن يهودية الدولة مقابل فلسطينية الدولة، ليست مجرد قراءة نصوص يهودية، ذات طقوس تلمودية، بل هو صراع دموي مفتوح على كل الاحتمالات، وهؤلاء ذوو الشخوص الشاحبة الذين يحركهم نتنياهو على هواه في الكنيست الإسرائيلي ليسوا بمنأى عن تصارع الأقدار الذي يخوضه الفلسطينيون بجدارة منذ مئة وواحد وعشرين سنة، والكلمة الأخيرة سنقولها نحن أصحاب الحق وليس أصحاب الأكاذيب والهلوسات.

في هذا الجو، لا بد من إطلالة جديدة على موضوع المصالحة، ما دمنا جميعاً في الاستهداف الأخطر، فلا بد من الخروج من تكرار الصيغ التي لا ينتج عنها سوى التكرار، إلى أين تريد أن تصل حماس؟ هل تريد هذه الصيغ التي تطرحها أميركا وإسرائيل أن تمر على أجسادنا ونحن منقسمون، على هذا النحو البائس؟ وهل تريد حماس أن يداهمنا المخطط الأميركي الصهيوني ونحن في حالة اشتباك؟ ما الذي لا نستطيع أن نفعله معاً، ولماذا نبقى كأننا عاجزون عن حل خلافاتنا رغم قدرتنا على البقاء بشكل مدهش، وكيف نرى العالم يتفاعل معنا بمزيد من الوعي والفهم ونبقى عاجزين عن فهم مصالحنا؟ لابد من دفعة جديدة للمصالحة بدل التشبث الجديد بالأوهام التي لا تنتج سوى الأوهام.