من تابع سلسلة تصريحات لعدد من ممثلي إدارة ترامب شريكة إسرائيل في حربها على الشَّعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية العليا عن السَّلام الذي "يرفضه" الفلسطينيون، يعتقد (خاصة غير المتابعين لمجرى الصراع) إنَّ القيادة الفلسطينية "ليست معنية" بالسلام، وإنَّها "تشكل عقبة" في طريق التسوية السياسية، ويفترض أنَّها هي التي "تحتل" الأرض، وليست إسرائيل الاستعمارية.

مفارقات غريبة وعجيبة تعكسها السياسة الأميركية زمن الإدارة الترامبية، حيث تبدو لكل ذي بصيرة، إنَّها تعمل وفق مقولة "إكذب إكذب حتى تصدق نفسك"، وكأنَّها تتمثل الروح الاستعمارية الإسرائيلية الصهيونية لتبرر لذاتها وللعالم انقضاضها على مرجعيات عملية السَّلام، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وقبل ذلك في اشتراكها المباشر مع إسرائيل المارقة الحرب على الشَّعب الفلسطيني وقضيته وأهدافه الوطنية.

الأسبوع الماضي عقد مجلس الأمن جلسة لمناقشة التطورات على السَّاحة الفلسطينية الإسرائيلية، وأدلت المندوبة الأميركي هيلي بموقفها، الذي جانبت فيه جادة العقل والمنطق والصواب، عندما ادّعت إنَّ الفلسطينيين "يرفضون" السَّلام، و"يبددون" الجهود الأميركية، وتناغم معها ذلك المستعمر، داني دنون، مندوب إسرائيل، حينما قال، إنَّ الفلسطينيين "يرفضون" السَّلام قبل أن يقرأوا الرؤية الأميركية، ولاحقًا ردَّد العبارات ذاتها كلّ من جارد كوشنر وجيسون غرينبلات، حيث بدا وكأنَّها حملة منظمة ومكثفة هدفها: قلب الحقائق رأسًا على عقب، ولتشويه الرؤية والموقف الوطني الفلسطيني عمومًا وموقف شخص الرئيس أبو مازن خصوصًا، تمهيدًا لمزيد من الانتهاكات والإجراءات المعادية لمصالح الفلسطينيين، وللتغطية على قانون الأساس القومية العنصري، ولإطلاق يد إسرائيل الفاشية في مواصلة عملية التطهير العرقي للفلسطينيين من أرض وطنهم الأم فلسطين.

ولم يعد خافيًا على أحد حتَّى من غير المتابعين لمجرى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إنَّ الإدارة الترامبية، بدأت تطبيق صفقة القرن على الأرض مباشرة، وقبل أن تبلور محدداتها على الورق، فاولاً أعلن الرئيس الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم نقل السفارة الأميركية للعاصمة الفلسطينية، وتلازم ذلك مع، إغلاق ممثلية فلسطين في واشنطن، وإبقاء منظمة التحرير في قائمة الإرهاب، وتلا ذلك تقليص المساعدات الأميركية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وهي بذلك تغلق الملفين المركزيين القدس واللاجئين وعمليًا الحدود والأمن، وتصفيقها أخيراً لإقرار الكنيست قانون الأساس القومية العنصري، وملاحقة الحقوق الوطنية الفلسطينية في المنابر الأممية، وحتى المزاودة على دولة الاستعمار الإسرائيلية...إلخ من الانتهاكات والجرائم المستهدفة للحقوق الوطنية، وعليه يطرح السؤال المباشر، أين هو السَّلام الأميركي؟ وهل بقي للفلسطينيين شيء يذكر من الحقوق؟ وعلى أي أساس يدعي ممثلو الإدارة الأميركية الآيلة للسقوط ما لا أساس له في الواقع؟ وكيف رفض الفلسطينيون السَّلام؟ ولماذا يرفضون السَّلام، وهم المتمسكون به، ويعلنون ليل نهار تبنيهم لسلام الشجعان، ووفق مرجعيات التسوية والقرارات الدولية ذات الصلة؟؟ ومن ذا الذي يرفض الانسحاب من أراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران/يونيو 1967؟.

كلّ الأسئلة أثيرت عشرات المرات، ولكن لا بأس من إعادة التذكير بها، للرَّد على الحملة الأميركية الإسرائيلية الكاذبة، ولفضح وتعرية توجهاتهم العدوانية ضد مصالح الشَّعب الفلسطيني، وأيضًا للدفاع عن الحقوق والمصالح الوطنية، ولمطالبة نخب وقوى وقيادة الشَّعب الفلسطيني باستخلاص العبر والدروس من سلسلة المواقف الأميركية المعادية لخيار السَّلام وقرارات الشرعية الدولية، والتحلل من أية تبعات، ولتصعيد المواجهة مع كلّ من ينتقص من الحقوق والأهداف الوطنية.

النتيجة السَّاطعة كالشَّمس تتمثل في الآتي: لا وجود لأي مبادرة سلام أميركية، إنما هناك خطوات عملية تصفوية للقضية الوطنية، ومشاركة كاملة لإسرائيل في حربها على الفلسطينيين، وحبل الكذب الأميركي قصير جداً.