انقلابُ "حماس" على الشّرعيةِ وسيطَرَتُها على غزّةَ بقوّةِ السّلاحِ شرٌّ مطلَقٌ، ولا يُمكنُ التّعاملُ مَعهُ إلّا كرُزمةٍ واحدةٍ لا تقبَلُ المفاضَلَةَ بينَ ظواهرَ سيّئةٍ وأخرى أقلَّ سُوءًا، فالقبولُ بواحدةٍ من نتائجِ السَّطوِ المسلّحِ على مقدّراتِ القطاعِ هو قبولٌ بالانقلابِ وموافقةٌ على كلِّ ما ولّدَهُ من كوارثَ ليسَ على القطاعِ وحدِهِ وإنّما على المشروعِ الوطنيِّ الفلسطينيِّ برمّتهِ. لا يعني هذا أنَّ الانقلابَ هو العاملُ الوحيدُ الذي يعيقُ التقدّمَ نحو تحقيقِ أهدافِنا الوطنيةِ، لكنّهُ بالتأكيدِ العاملُ الأوّلُ الذي استنَزفَ طاقاتِ وجهودَ شعبِنا، وألحقَ أفدحَ الأضرارِ بوحدةِ الوطنِ وأدواتِهِ السّياسيةِ والإداريّةِ والنضاليّة.

 

لم يعُدْ خافيًا على أحدٍ أنّ قيادةَ "حماس" ليستْ في واردِ التخلّي عنْ سيطرَتِها على قطاعِ غزّةَ، فالانقلابُ هو الورقةُ الوحيدةُ التي يتشبّثُ بها المستفيدونَ منهُ، لأنّهُ مَصْدرُ تمويلٍ ومقايضةٍ على البقاءِ والاستمرارِ في التحكّمِ بمصيرِ جزءٍ حيويٍّ من الوطنِ، حتّى لو كانَ ثمَنُ ذلكَ هو كلُّ ما لَحِقَ ويلْحقُ بغزّةَ من كوارثَ وما يتَحمَّلُهُ أهلُها من معاناةٍ وقهرٍ وحصارٍ، علاوةً على الآثارِ المدمّرةِ التي يُلحِقُها الانقلابُ بالقضيّةِ الفلسطينيّةِ برمّتِها من خلالِ تَقديمِهِ صورةً مشوّهةً لنضالِ شعبِنا توحي بأنّ التناحُرَ والاقْتتالَ والتّنازُعَ على السُّلطةِ هي الهَمُّ الأوحدُ دونَ الالتفاتِ إلى ما يُحيقُ بالقضيّةِ من أخطارٍ، وأوّلُها الاحتلالُ الاستيطانيُّ الإسرائيليُّ وجرائمُهُ المتواصلةُ، والدّعمُ المُطلَقُ الذي توفّرُهُ لهُ الإدارةُ الأمريكيّةُ.

 

الانقلابُ شرٌّ مطلقٌ، ولأنّهُ كذلكَ لا بدَّ من حسْمِ موضوعِ التعامُلِ معهُ كرُزمةٍ واحدةٍ، فلا يجوزُ الاستمرارُ في تمويلِ سلطةِ الانقلابِ بشكلٍ يثبّتُ ويعمّقُ فصلَ غزّةَ عن الوطنِ، ولا يجوزُ أنْ تبقى "حماس" متمسّكةً بسيطرتِها على هذا الجزءِ العزيزِ من فلسطينَ، متحكّمةً برقابِ العبادِ وأرزاقهِم وحياتِهم، في الوقتِ الذي تُعفي نفسَها من تحمّلِ مسؤوليةِ توفيرِ مستلزماتِ الحياةِ اليوميّةِ لمَنطقةٍ تختطفُها بقوّةِ السلاحِ، ليُصبحَ انقلابُها بذلكَ أكثرَ الانقلاباتِ غرابةً وأقلَّها كلفةً لمنفّذيها. 

 

مع استمرارِ الانقلابِ تستمرُّ نتائجهُ وتتفاقَمُ، وليستْ قضيّةُ الرّواتبِ إلّا واحدةً منها، وعلى "فتح" أن تُدرِكَ جيّدًا أنَّ استمرارَ الوضْعِ على ما هو عليهِ هو أقصَرُ الطُّرُقِ نحوَ انفصالِ غزةَ نهائيًّا عن بقيّةِ الوطنِ بشكلٍ يلبّي أهدافَ صفقةِ القرنِ ويقضي على حُلمِ إقامةِ الدّولةِ الفلسطينيّةِ المستقلّةِ. وتتحملُ حركةُ "فتح" في قطاعِ غزّةَ مسؤوليةً استثنائيةً في هذا المجالِ، ومِنْ أولى مهامِّها المُلحّةِ أنْ لا تسمَحَ لحماس وللفصائلِ المُنافقةِ والمُتملّقةِ لحماس برَمْيِ نتائجِ الانقلابِ في وَجْهِ "فتح" والسُّلطةِ الشرعيّةِ. وهنا يجبُ التّأكيدُ أنَّ هناك إجماعًا -خاصّةً داخلَ حركةِ "فتح"- حولَ أهميّةِ حلّ موضوعِ الرواتبِ وضرورةِ الالتزامِ بمبدأ العدالةِ في توزيعِ أعباءِ الأزمةِ الناتجةِ عن سياسةِ الحصارِ الأمريكيِّ والقرصنةِ الإسرائيليّةِ، ولا يوجدُ عذرٌ يبرّرُ أيَّ ظُلْمٍ قد يَلحَقُ بموظّفٍ أو كادرٍ موجودٍ على رأسِ عملِهِ أو مُهمّتِهِ التي تمَّ تكليفُهُ بها، سواءً كانَ في خانيونس أو طولكرم أو في عين الحلوة، وإذا كانت الإمكانيّاتُ شحيحةً فلْيَكُنْ شعارُنا المؤقّتُ أنَّ المساواةَ بالظُّلمِ عَدْلٌ.

 

بالمقابلِ لا يُمكنُ لموضوعِ الرّواتبِ على أهمّيتِهِ أن يُشكّلَ محورَ الاستقطابِ والاستنفارِ الوحيد، خاصّةً داخلَ حركةِ "فتح"، فالمشكلةُ هي الانقلابُ وتَبعاتُهُ الكارثيّةُ، وأوُّلها عدمُ خُضوعِ غزّةَ لسُلطةِ الحكومةِ الشرعيّةِ بكلِّ ما يعنيهِ ذلكَ الخضوعُ من انتظامِ دورةِ الحياةِ الإداريّةِ والوظيفيّةِ والرّقابيّةِ وغيرها، علاوةً على أهميّةِ عودةِ غزّةَ إلى الشرعيةِ كشرطٍ لمواجهةِ صفقةِ القرنِ ومواصلةِ الصّمودِ والمقاومةِ حتّى دحرِ الاحتلالِ وإنجازِ الأهدافِ الوطنيّةِ الفلسطينيّة.

 

*الانقلابُ هو أصْلُ ما تواجهُهُ غزّةُ من أزماتٍ، ولا يوجدُ سببٌ واحدٌ يبرّرُ استمرارَ تمويلهِ أو السّكوتَ عليهِ، فلا أحدَ يتحمّلُ مسؤوليةَ تبعاتِهِ الكارثيّةِ سوى الانقلابيّينَ أنفسِهم.

 

٧-٩-٢٠١٩

 

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان