لا يعبأ المجرم بالرأي العام، ولا يحسب له حساب، ولا يفكر للحظة بالقيمة الإنسانية لروح الضحية، حيث يكون مشغولا في كيفية تحقيق هدفين في آن واحد، الأول إرضاء رغبته وسادتيه في القتل، والهدف الآخر كيفية إصابة كيان القانون الدولي في مركزه العصبي ليمضي مشلولا على كرسي متحرك، يبصر لكنه لا يقوى على الفعل.
افيغدور ليبرمان وزير حرب حكومة المستوطنين في دولة الاحتلال إسرائيل نموذج لا يرقى إليه الشك أبدا، نموذج لم يعد أمامه إلا توسيم جنوده بعد إشهار افتخاره بجرائمهم، وطواعيتهم وطاعتهم لتعاميم وأوامر هذا الوزير وضباط جيشه الكبار والصغار على حد سواء من تجريد الجندي الإسرائيلي من إنسانيته، وشحنه برغبة دموية جامحة، حتى بات كالمفترس الجائع، يرى الطفل والصحفي والمسعف والجريح المقعد مجرد فرائس ضعيفة، وما عليه إلا انتهاز الفرصة للانقضاض.
يقتل، يغتال، يدمر، يقنص هذا المجرم الضحايا في وضح النهار ساندا ظهره إلى جدارين، الأول يوفره المستوى السياسي في كيان دولته القائمة بالاحتلال والاستيطان الاستعماري، إسرائيل المتمردة على الشرعية الإنسانية العالمية، التي اتخذ قادتها الإرعاب والإرهاب عبر سفك الدماء عقيدة، واستباحوا بلا قيود المواثيق والأعراف والقوانين الإنسانية، وحتى تلك السماوية التي قدست روح الإنسان ، فكانوا النموذج الصارخ لعنصرية واستعلائية.
الجدار الآخر يضمنه مستوى سياسي هو الأرفع في دولة عظمى، هبطت بتمرد إدارتها على القانون الدولي إلى قاع المعاني المنبوذة في الفكر الإنساني للدولة، فهنا ووراء هذا الجدار شخص لم يكتسب من مدارس السياسة والمجتمع والعلوم والإنسانية أية قاعدة أو نظرية، وكأنه لم يحفظ من أبجدية القيم الأخلاقية، ومبادئ العدل اللازمة كأساس للحكم أي حرف فسقط في امتحان القدس بصفعة الحق الفلسطيني.
يصارع زميلنا الصحفي احمد أبو حسين الموت برصاصة متفجرة أطلقه جندي قناص مجرم حرب خاضع لإمرة قائده ليبرمان، بعد أسبوع على ارتقاء روح زميله وزميلنا في غزة ياسر مرتجى، ويبعث كل نبض من قلبه بإشارة إلى العالم بأن عائلة الحقيقة بلا حدود، مهددة بالفناء، ما لم يجلب مجرم الحرب الأكبر (الوزير) إلى قفص العدالة الدولية، ذلك أن المجرم (يسرح ويمرح) ويستعرض بكل فخر جريمته، ويشد على سواعد جنوده لأدائهم المميز واستخدامهم الدقيق لتقنيات وأدوات الجريمة.
نتذكر هنا الإرهاب الذي مارسته علنا وعلى الهواء مباشرة مندوبة ترامب في مجلس الأمن نيكي هايلي، عندما هددت "بمحاسبة كل من يقول بعد اليوم أن إسرائيل دولة متمردة على الشرعية الدولية " فحسب السياسيون والعسكريون العنصريون المتطرفون في دولة الاحتلال ذلك ضوءاً اخضر لتوسيع دوائر الإعدام الميداني المباشر لمواطنين فلسطينيين، واثخان أجسادهم بجروح عميقة، لا تشفى وذنبهم أنهم كانوا مسلحين، نعم مسلحين، ويجب الإقرار بذلك، بسلاح نوعي، لا يقوى أي سلاح حتى لو كان نوويا على إسكاته، سلاح النفوس المؤمنة بالحق، والحناجر الهادرة، الهاتفة باسم الوطن الأبدي فلسطين، تكاد صدورهم العارية تنفجر وهم ينشدون الحب لأرضهم، ويقسمون على تجسيد حق العودة، فيما أبصارهم المتجهة نحو بلدات وقرى ومدن آبائهم وأجدادهم.
رسل الحق والحقيقة، كياسر مرتجى وأحمد أبو حسين وكل الصحفيين الشهداء والأحياء النبلاء أيضا لم يتخذوا الصحافة مجرد وظيفة أو مهنة مدفوعة الأجر، وإنما رسالة إنسانية، معمدة بانتماء وطني، وتضحية لرؤية الآمال التي حدثهم عنها آباؤهم وأجدادهم أو قرؤوا عنها في مدرسة تاريخ الوطن فلسطين، آمال الحرية، والتحرر والاستقرار والطمأنينة والسلام في ربوع البلاد، الأجمل لديهم والأقدس في الدنيا بالنسبة إليهم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها