يرى محللون أن هناك من يوسع الفجوة، من أجل تعطيل التوصل لحلول واقعية ومنطقية،فطرفا الصراع السوري يضعان شروطا متمترسة تحت عنوان  أنها الطريق الأنسب نحو الحل من أجل مشاركته بالمؤتمر.

ويستمر النظام السوري بتذكير الرأي العالمي باحتفاظ الرئيس السوري بولايته التي تنتهي في العام 2014 ،رافضاً مجرد البحث في مصير الأسد.لذلك يـُتوقع تواصل  المد والجزر في حسم الحلول حتى نهاية العام المذكور.

ففي الوقت الذي تفقد المعارضة الخارجية سيطرتها عمليا ً على مجرى الأحداث الميدانية في سوريا، نجد أن مجلس القيادة العسكرية العليا لهيئة الائتلاف ، وهو الجسم العسكري الوحيد الذي لا يزال يعترف بالائتلاف يعلن شروطه للمشاركة الملخصة بوقف آلة القتل وقصف المدن حسب وصفهم ، وفك الحصار عن المناطق المنكوبة وإيصال المساعدات لها ، وإطلاق سراح الأسرى وما يمت بصلة لهذا الملف ، وتشكيل هيئة قضائية مستقلة ومحاكمة مرتكبي الجرائم بحق الشعب السوري ضمن معايير عادلة ، وسحب التدخلات الاقليمية في سوريا، وعدم مشاركتهم في جنيف2 والإعلان عن وقف العمل بالدستور السوري الحالي .

ثم نجد أن الائتلاف يعلن استعداده للمشاركة على أساس نقل السلطة الى هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات الرئاسية والعسكرية والأمنية، وعدم إعطاء الرئيس السوري  أي دور في المرحلة الانتقالية ومستقبل سورية. والجيش الحر يدعو إلى تحديد جدول زمني لمرحلة التفاوض مع إبقاء القضية تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة، ويصف ما هو مطروح  لمؤتمر جنيف 2 الى أنه يفتقر للرؤية الواضحة من آليات غير مناسبة، وإيحاء بعدم امكانية التوصل الى نتائج ملموسة. ويبقى هذا التخوف مشروعاً حسب مراقبين، بسبب طلب سوريا إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تأمين عشرات المركبات المدرعة والمولدات والمطابخ الميدانية إلى جانب بعض المعدات الأخرى،التي قالت أنها تحتاج إليها لنقل 1300 طن من المواد الكيميائية إلى ميناء اللاذقية.

وأيضاً وسائل اتصال جديدة تربط بين دمشق والمدن الساحلية قائلة إنها ستساعد على تأمين الطريق لعشرات الحاويات المطلوبة.

ومن جهة أخرى يسلط مراقبون الضوء على تباين مواقف المعارضة السياسية السورية من مؤتمر جنيف 2، ويرجئون ذلك إلى ضعف بنائها، كونها شديدة التنوع وبالتالي تناقض قراءات  الواقع وقلة الخبرة السياسية، وهذا ما يشكل إسقاطات خاطئة في المواقف حسب محللين سياسيين متابعين ، فهم بين طرف متحمس للمشاركة ، يرى في المؤتمر نقلة نوعية ،تضع الصراع السوري في مسار جديد، وآخر يرفض رفضا مطلقا ً التفاوض مع نظام فتك بشعبه ودمر البلاد،بل ويعتبر كل موقف مغاير لذلك هو استسلام وخيانة لمبادئ الثورة ،ويتخوف  الثالث من أن تفضي مشاركة المعارضة في مؤتمر غامض ومبهم إلى مد النظام ببعض أسباب الشرعية ومنحه الغطاء والوقت كي يتوغل أكثر في العنف والتنكيل.

لكن ما يجدر ذكره هو أن ثلاثة مواقف للمعارضة تصب في المشاركة وطرف واحد ضدها، فالاغلبية هي مع جنيف 2،وتبقى السياسة هلامية يصبها أصحاب القرار بأواني القضية الخاصة بهم حسب المصالح، لذلك نجد خصم الأمس هو صديق اليوم وربما حليفه ولكل ٍهدفه ومصلحته.

وتبقى الامور متخبطة في القضية السورية وخاصة من طرف المعارضة بسبب ذلك التباين سواء على الأرض او خارج سوريا، والمتمثل بالتعدد المتناقض الذي لا يجد سبيلا  للإلتقاء على تكتيك أو استراتيجة موحدة او متوافقة رغم كل ما سفك من دماء وبسبب حساسية ارتباطاتها الاقليمية والعالمية.كل ذلك أفقدها جزءا من تمثيلها للحراك الشعبي بسبب اتساع الفجوة بينهما والشكِّ بكفاءتها وجديتها نحو التغيير الموعود، خاصة مع تزايد عدد اللاجئين ،وظهور قوى جهادية متطرفة كانت ذريعة جاهزة للمجتمع الدولي كي يتخلى عن دعم المعارضة والثورة، وبالمقابل يزداد دعم النظام السوري بعد إبعاد الضربة العسكرية  .

ورغم الاتفاق على إطار يشمل الجوانب السياسية والتنظيمية للانضمام إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة على أساس الالتزام ببرنامج الثورة السورية ممثلاً بالنقاط المعلنة ،إلا أن الأمور الأهم بالنسبة للطرفين معلقة،كتحفظ  المجلس الوطني الكردي على البند الثالث من الاتفاق الأخير، الذي يؤكد فيه الائتلاف على ديمقراطية سوريا كدولة مدنية تعددية نظامها جمهوري برلماني يقوم على مبدأ المواطنة المتساوية وفصل السلطات وتداول السلطة وسيادة القانون، واعتماد نظام اللامركزية الإدارية بما يعزز صلاحيات السلطات المحلية.

ويقترح المجلس الكردي بالمقابل أن يكون هناك صيغة دولة إتحادية، مؤكداً أنه سيعمل على تحقيق ذلك دون أن يشكل عائقا أمام انضمامه إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

هذا الاتفاق الذي يلقي عبئا ً آخر على كاهل المعارضة التي ترفض تقسيم سوريا ،بوجود بنودٍ تـُعتبَر خطوات تمهيدية ،وأساساً للبناء عليه مستقبلاً ،من قبل من يريد هذا التقسيم ،سواء من طرفي الصراع أو حلفائهما أيضا ً،لسنا بوارد تفاصيلها هنا.لكن يبقى هذا الاتفاق هو خطوة ضرورية قبل الذهاب إلى جنيف 2.

 وينعكس موقف المعارضة ميدانياً ،التي تجمع على المشاركة بجنيف 2  وعلى القضايا التي تنقل سوريا إلى دولة ديمقراطية والقضايا المطروحة أمام الإعلام . وهذا ما بدأ يظهر جلياً من خلال مرونة مواقف طرفي الصراع السوري تجاه حل أزمة مخيم اليرموك وما نتج عنها مثلاً، هذا المخيم والذي يرمز إلى تمثيل وجود اللاجئين الفلسطينيين الضيوف لحين عودتهم إلى وطنهم فلسطين، رغم ما تعنيه هذه المنطقة للطرفين في منطق السيطرة على الأرض وموقعها الجغرافي بالنسبة للعاصمة دمشق .

 فجبهة النصرة بدأت بالانسحاب تدريجيا من المخيم، وتم الاتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية و سلطة النظام السوري على السماح بإدخال المعونات الغذائية المقدمة من الاونروا،لكن الاتفاق بقي حبراً على ورق ورهينة مواقف الطرفين السوريين ،وعدم تقدير النواحي الانسانية من قبلهما، واستخدام الطرفين  ذلك كورقة للضغط على خصمه، رغم ذلك يبقى الجو العام متوجهاً نحو الحل السلمي ،وإرسائه للخروج من حمام الدم المتدفق.

ولقد حاولت م.ت.ف  وبشكل متواصل، ومنذ بداية أزمة مخيم اليرموك في دمشق، تقديم المبادرات لطرفي الصراع السوري ،ولإيجاد حل دائم من أجل حماية وتحييد المخيمات عن الأزمة الحاصلة وخاصة مخيم اليرموك، لكن تلك المرحلة بقيت نيران الحرب فيها متصاعدة ،وتبييت النية  لإنهاء الأطراف بعضها بعضا ً.

وتعالت أصوات الفلسطينيين سوريا والمهجرين منهم لرفع الحصار عن اليرموك الرازح تحت الحصار الجزئي قرابة السنة،وتحت الحصار المطبق لأكثر من أربعة أشهر، فـُـقـِدت خلالها كل مقومات الحياة من شلل لحركة الأفراد،وانعدام مطلق لدخول الغذاء والدواء،مما أدى إلى الجوع وانتشار الأمراض ،وفقدان الأدوية الخاصة بعلاج الجرحى ،وموت العديد منهم بسبب ذلك .

وتبقى الضمانات من طرفي الصراع  مجرد وعود،والثقة بينهما مفقودة في ظل الأوضاع الراهنة،بالرغم من التصريحات الصادرة،والموافقة على جنيف2 ،أي المضي في  الحل السلمي،وبالتالي كان يجب أن تنعكس المواقف المعلنة بدءاً من وقف إطلاق النار في كافة المناطق،وكذلك في مخيم اليرموك،خاصة بعد لقاء السيد زكريا الآغا عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير،رئيس الوفد الفلسطيني إلى سوريا بممثلين عن النظام السوري ومديرعمليات الأونروا في سورياماكنزي.

والاتفاق على إدخال المساعدات بصفة عاجلة للاجئين المحاصرين هناك، بفتح ممر آمن للسكان ووضع آلية لتنفيذ المبادرة الفلسطينية بخصوص إخلاء المخيم من السلاح والمسلحين، وتسوية وضع بعض المسلحين الفلسطينيين المتورطين.

تمهيداً لعودة النازحين منه،وإعمار المخيم، وكذلك الاتفاق مع مسلحي المعارضة على الانسحاب منه ،بعد اشتراطهم عدم ترك المخيم إلا بتسليمه لفصائل م.ت.ف رافضين تسليمه للقيادة العامة (أحمد جبريل)،الذي يحبذ خروج أهالي المخيم من أجل القضاء على المسلحين المتورطين،بعكس ماتم الاتفاق عليه بين م.ت.ف وممثلي النظام.

 وتبدو ضآلة الآمال وتراكم التخوفات لدى الأهالي بالحل الجذري واضحة ، خاصة بعد منع دخول قافلة المساعدات إلى المخيم بسبب تجدد الاشتباكات، وأيضاً  بعد تقديم ماكنزي عرضاً  يشرح الصعوبات، والمعاناة التي يواجهها اللاجئون، والضغط المتزايد الذي تعانيه الأونروا لتلبية المزيد من الاحتياجات، بعد تدمير المنازل والبنية التحتية بالإضافة إلى مقرات ومدارس الأونروا، وبعد أن طالب المجتمع الدولي  تحمل مسؤولياته تجاه الأزمة المالية التي تعاني منها الأونروا والتي أثرت وبشكل مباشر على طبيعة خدماتها خاصة مع ارتفاع حجم الاحتياجات الطارئة للاجئين الفلسطينيين في سوريا، والذين باتوا بحاجة إلى المساعدات الطارئة، وهنا يكمن تخوفهم  من عدم جهوزية الأونروا للبدء بإعادة الإعمار، وفي ظل انعدام الأجواء الآمنة.

وبذات الوقت تأتي مشاركة وفد فلسطيني برئاسة الآغا لاجتماعات  اللجنة الاستشارية للأونروا والتي سيقدم فيها شرحاً وافياً عن أوضاع اللاجئين في سوريا وحثهم على تغطية الاحتياجات الطارئة لهم والبالغ قيمتها 200 مليون دولار لانتشالهم من حالة البؤس التي يعيشونها داخل وخارج المخيم .

 إن ما توصل اليه الوفد الفلسطيني من توافق مع ممثلي النظام السوري على أن الجهة الوحيدة المخولة بالشأن الفلسطيني في سوريا هي م.ت.ف واللجان الرسمية المنبثقة عنها، يعيد الطمأنينة لقلوب أهالي مخيم اليرموك، هذا ما نقله مقربون عن الوضع هناك، رغم كل ما يحيط بهم من هول الحرب والجوع.

 إن اللاجئ الفلسطيني في سوريا والذي هجر منها قسرا لداخلها أو خارجها، يرفض أن يبقى مثل ريشة تتقاذفها الرياح، فالفلسطيني في مخيم اليرموك يبقى رهينة مواقف طرفي الصراع والاشتباكات التي لا تهدأ حتى في حال إعلان هدنة، أما القابع خارج المخيمات، يبقى تحت ضغوطات عدم توفر الأمان لأن باقي المناطق ليست بمنأى عما يجري فهي ساحة حرب تطحن الجميع بكافة معطياتها. والفلسطيني المهجر خارج سوريا يعاني الأمرين أيضا من عدم تأمين حاجياته حتى في الحد الأدنى، سواء في لبنان أو غيره.

ورغم كل هذه الأجواء، فإنني أرى أن القيادة الفلسطينية تحث الخطى بوسائل وطرق جديدة ونوعية من أجل إنقاذ شعبها الفلسطيني في سوريا، وتجلت إحدى هذه الطرق بنجاحها بحل قضية المحتجزين اللبنانيين وذلك بالتدخل لدى تركيا، لترمي الكرة في الملعب المناسب، واستثمار ذلك في باب رد الجميل والذي تجلى بالموقف المعلن الأخير للنظام السوري تجاه مخيم اليرموك، كما يراه الشارع الفلسطيني، وإن كان ذلك الموقف يثير تساؤلات كثيرة.

 ويجدر الذكر أن تلك الجهود بإطلاق سراح المحتجزين، تحسب لفلسطين كدولة وتقوي تمثيلها بين دول العالم، بالطريق نحو إيجاد نفوذ سياسي يرفع من أرصدتها في المجتمع الدولي، وهذا نصر سياسي يجب الوقوف عنده والافتخار به.

إن كل ما سبق ذكره من أداء لمنظمة التحرير الفلسطينية يُعَدّ بارقة أمل مهمة في استعادة دورها، بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والمرحلة في أشد عتمتها  لكنها تبشر بسطوع الضوء من آخر النفق... فالليل دائما يتبعه النهار.