بقلم: أشرف العجرمي

في المؤتمر الذي عقد في مركز بيغين - السادات في جامعة بار - إيلان والنقاش الذي دار بمناسبة أربعين عاماً على حرب تشرين الأول (أكتوبر) من عام 1973، برز الخوف الإسرائيلي من الحرب القادمة وهذا عبر عن نفسه في خطاب وزير شؤون حماية الجبهة الداخلية المتطرف جلعاد أردان الذي عرض سيناريوهات وضعها الجيش، منها قصف إسرائيل بآلاف الصواريخ في منطقة تمتلك فيها منظمات ودول أكثر من مئتي ألف صاروخ تستطيع إصابة كل بيت في إسرائيل - حسبما قال -، وأيضاً في أقوال رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي بيني غانتس الذي رسم هو الآخر سيناريو سوداوياً لإسرائيل يظهر إمكانية اندلاع حرب شاملة نتيجة لحادث صغير تدفع فيها دولته ثمناً دموياً باهظاً، وتشمل حرباً إلكترونية ضد منظومات الحواسيب والشبكة المدنية والعسكرية، وفي حرب كهذه ستستخدم فيها إسرائيل أقصى القوة لإنهائها بسرعة لأنها لا تحتمل حرباً دموية طويلة ما يؤدي إلى سقوط ضحايا كثيرين من المدنيين وسترفع دعاوى ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي وستنظم مظاهرات ضد إسرائيل في مختلف أنحاء العالم. هذا الخوف الإسرائيلي طبيعي ومنطقي في دولة تعيش على حد السيف.

 

وفي مقابل الخوف من الحرب القادمة عرض بنيامين نتنياهو في خطابه السياسي موقفاً متصلباً من المفاوضات مع القيادة الفلسطينية طالب فيه الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية إسرائيل والتنازل عن حق العودة، وتحدث عن التحريض الفلسطيني، والشيء الذي لم يذكره نتنياهو هو الرغبة في إنجاز التسوية الدائمة رغم حديثه الغامض عن قبوله بحل الدولتين. أي أن إسرائيل تريد أن تعيش على حافة الحرب أو في قلبها دون أن تسعى لتغيير هذا الواقع المخيف والذي يزداد خطورة. وهناك ترابط واضح بين الشعور بالخوف المبني على عدم وجود سلام وحالة العداء والمواجهة القائمة في المنطقة وبين الإصرار على الإبقاء على الوضع الراهن الذي يحمل في طياته مخاطر جمة تجعل المواطنين والمسؤولين الإسرائيليين على السواء مسكونين بهواجس الخوف والرعب.

 

إسرائيل لا تفعل شيئاً لمنع وضع يمكن أن تنشب فيه حرب مدمرة تمس العمق الإسرائيلي وتمس حياة المواطنين بصورة مباشرة ولا تستطيع منعها والتقليل من أضرارها حتى لو استخدمت كل القوة التي لديها وقتلت آلاف البشر. ولا يفكر الإسرائيليون في اليوم الذي يلي اندلاع الحرب، فقط في الوضع الصعب الذي يسود. فماذا لو فرض حل على إسرائيل نتيجة لحرب كهذه، وأي حل سيفرض سيكون مبنياً على فكرة الدولتين على أساس حدود عام 1967.

 

وبدون شك سيكون موقف إسرائيل أسوأ بكثير من التوصل إلى حل باتفاق الطرفين. ودائماً تختار طريق المواجهة والطريق الصعب. تماماً كما هي السياسة الإسرائيلية القائمة في الضفة الغربية الآن، فعلى الرغم من وجود تنسيق أمني يقول عنه الرئيس أبو مازن بأنه كامل وعلى كل المستويات إلا أن الجيش الإسرائيلي يقتحم مناطق السلطة ويعتقل ويقتل دون سبب ودون مبرر بحجة ملاحقة مطلوبين مع أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تقوم بجهد كبير لضمان الأمن والاستقرار في المناطق الفلسطينية. والنتيجة خلق مزيد من التوتر وتشجيع العنف. وما يجري هنا وهناك من عمليات ضد الإسرائيليين في الضفة هو مجرد أفعال محدودة وجزء منها ارتجالي، ولكنها قد تتطور إلى عمل أكثر تنظيماً وقوة كرد فعل على جرائم الاحتلال سواء ما تقوم به قوات الجيش أو المستوطنون الذي باتوا يسيطرون على الطرقات ويستخدمونها للتنكيل بالفلسطينيين بشكل شبه دائم. ويمكن القول أن الاستفزازات المتكررة في المسجد الأقصى تصب الزيت على النار وتساهم في رفع منسوب التوتر والغضب عند الفلسطينيين. ويبدو أن إسرائيل تستعجل العنف والمواجهات حتى قبل انقضاء المدة المخصصة للمفاوضات التي لم تحقق حتى اللحظة أي انطلاقة في أي موضوع.

 

سلوك حكومة نتنياهو التي يتبرع وزراؤها للتبشير بالفشل ويتبرع رئيسها بتصعيد لهجة التطرف وتتميز ممارساتها على الأرض بالقمعية وتجاهل وجود الشعب الفلسطيني وسلطته وقياداته على الأرض ينبئ بحصول ما تخشى منه الأوساط الإسرائيلية المختلفة وهو الحرب الدموية القادمة. صحيح أن هؤلاء يتوقعون الحرب مع "حزب الله" و"القاعدة" ولكن هذه الحرب قد تندلع هنا حتى لو كان شكلها انتفاضة شعبية عارمة، فعوامل التفجير قائمة والتوتر يتراكم يوماً بعد يوم.

 

لم يفكر نتنياهو مثلاً بأن وجود اتفاق سلام مع مصر قبل الثورة الشعبية المصرية منع من احتمال حدوث مواجهة على الجبهة المصرية – الإسرائيلية، وأنه لو كان هناك اتفاق سلام مع سورية لما فكر الإسرائيليون باحتمال مواجهة في هضبة الجولان، ولو كان هناك سلام مع الشعب الفلسطيني لكان السلام شاملاً مع كل العرب والمسلمين ولما كان هؤلاء يحلمون بالحرب ويخشون يوماً تندلع فيه كاحتمال واقعي. يبدو أن إسرائيل بحاجة لحرب حتى تصحو على واقع الاحتلال الذي يكاد يختفي من ذاكرة الإسرائيليين ومن اهتماماتهم أو حتى تفكيرهم. فاليوم لا يذكر أحد وجود الاحتلال وكل ما يدور الحديث عنه هو كيفية تقاسم الضفة مع الفلسطينيين وكأنها أرض إسرائيلية تريد أن تجود إسرائيل بحصة منها للفلسطينيين الناكرين للجميل الذين يرفضون عروضها السخية.