ها هو الإعصار الذي يعصف بالنظام السوري ويزلزل أركانهالتي بنيت منذ أربعين عاما، يمر في طريقه على لبنان، من خلال القرار الذي اتخذه قاضيالإجراءات في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان «فرنسين» يكشف الأسرار المتعلقة بالمتهمينالأربعة في جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، فقد أعلن القرار أسماءالمتهمين وكلهم أعضاء في حزب الله وهم مصطفى بدر الدين وسليم عباس وحسن عنيسي وأسدصبرا، وقد نسب إلى الأول الإشراف على عملية الإغتيال، كما نسب إلى الثاني مهمة التنسيقوالإشراف على مراقبة مسرح الجريمة, أما الثالث والرابع فقد نسب القرار إليهما فبركةشريط الفيديو المزور الذي نسب التهمة إلى المدعو أحمد أبو عدس بهدف تضليل التحقيق.

في المحاكم الدولية حول جرائم من هذا النوع, فإن قراراتالإتهام لا تذكر إلا جزءا ضئيلا من التفاصيل والوقائع التي تبرر صدور قرار الإتهام,وهو جزء صغير مثل الرأس الظاهر من جبل الجليد, أما الجزء الأكبر فلا يعلن عنه إلا فيالمحكمة حين انعقادها وسريان إجراءات المحاكمة.

ملايين في لبنان و المنطقة و العالم, يذكرون تلك اللحظاتالمفجعة التي بدأت عند الساعة الواحدة إلا خمس دقائق من ظهر يوم الرابع عشر من شباط2005, حين إنفجرت عبوة ناسفة تزن قرابة ألفي كيلو جرام من المواد المتفجرة كانت محملةداخل سيارة ميتسوبيشي أثناء مرور موكب رئيس الوزراء رفيق الحريري, فقتل الرئيس الحريريوواحد وعشرون من الذين كانوا معه ومرافقيه وبعض المارة, بالإضافة إلى عشرات من الجرحى!!! لكن الجريمة لم تقف عند ذلك الحد, بل تواصلت لتطال شخصيات قيادية وبارزة سياسياوإعلاميا وإجتماعيا من بينهم الوزير بشير الجميل إبن رئيس الجمهورية الأسبق, وجورجحاوي زعيم الحزب الشيوعي الأسبق وسمير قصير أحد أبرز الصحفيين اللبنانيين وجبران توينيرئيس تحرير جريدة النهار اللبنانية و أمين عبدو و بيير غانم وغيرهم بالإضافة إلى شخصياتأخرى طالتها محاولات الإغتيال ولكنها نجت بأعجوبة مثل النائب والوزير المعروف مروانحمادة والنائب والوزير إلياس المر والإعلامية الشهيرة مي شدياق .

جريمة الاغتيال قبل أكثر من ست سنوات جاءت نتيجة احتقاناتسياسية كان النظام السوري وأتباعه في لبنان متورطين فيها, ومن بينهم حزب الله نفسهالذي يعترف بأن المتهمين الأربعة من قياداته و أعضائه المهمين, ولذلك حاول تعطيل إنشاءالمحكمة ثم عندما صدر القرار الدولي بإنشائها أعلن عدم تعامله معها.

الآن, نحن في انتظار بدء المحاكمة, وهناك من يدعي بأنالعدالة قد تطيح بالإستقرار, ولكن الأغلبية الساحقة لا ترى ذلك, بل الأغلبية تعتقدأن العدالة تريح الجميع !!! ولكن عملية الإغتيال جرت وراءها منذ وقوعها تداعيات كثيرة,فقد خرج الجيش السوري من لبنان بقرار دولي, ثم تشكلت المحكمة نفسها بقرار دولي علىأساس الفصل السابع, وارتد سلاح حزب الله الذي كان له صيت المقاومة إلى الداخل اللبناني,وتشكلت الحكومة اللبنانية الحالية عبر ما يوصف بانقلاب دستوري, أي تغير الأكثرية اللبنانيةمن 14 آذار إلى 8 آذار, ولكن التحول الكبير الذي إنطلق في سوريا منذ الخامس عشر منآذار الماضي, جعل النظام السوري ينكشف ظهره و يغرق في دماء شعبه, الأمر الذي يؤدي إلىانكشاف كبير لحلفاء سوريا في لبنان وفي مقدمتهم حزب الله.

في المحكمة التي لن يحضرها المتهمون, لأن حزب الله لايريد تسليمهم, والحكومة اللبنانية عاجزة عن إلقاء القبض عليهم, ستظهر الوقائع و الأدلةوالتفاصيل شيئا فشيئا، سوف تنكشف الحقائق وراء بعضها, فقد تظهر أسماء جديدة, وقد تتعدىهذه الأسماء الحدود اللبنانية إلى سوريا نفسها, وقد تتعداها إلى دول أخرى !!! وإذاكانت هذه الوقائع وأدلة مدعمة بالبراهين فمن الصعب مواجهة كل ذلك بنوع من الدعاية السياسية,لأن هذه الدعاية السياسية لا يمكن أن تكون مجدية لو أن النظام السوري لا يعاني من مأزقهالراهن.

وبعد أن انقشعت العناوين الزائفة للمقاومة والممانعةواتضح أن سلاح المقاومة انقلب على نفسه وأصبح مصوبا إلى الصدور في الداخل.

لبنان استخدم لعقود طويلة في دور ماصة الصواعق, ولكنهفي هذه المرة قد يصدر بعضا من نيرانه إلى حقول الآخرين الذين اعتادوا العبث به لمصالحهم!!! وعندما تبدأ المحاكمة فسوف نرى أسئلة كثيرة وصاعقة تحتاج إلى إجابات, وخطورة هذهالأسئلة على الأطراف المتورطة أنها تأتي في وقت لا يملك النظام السوري القدرة على الدفاععن نفسه فكيف سيدافع عن حلفائه؟