هيفاء داوود الأطرش

ونحن نعيش الذكرى التاسعة والأربعين لتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، نتوقف عند بعض الرؤى الفلسطينية لمفكرين وسياسيين ومحللين فلسطينيين، لاستراتيجية فلسطينية قادرة على تحقيق الأهداف الوطنية؛ لكن الأمر يجب أن يتعدى ذلك إلى حيز التنفيذ وقبله التجهيز لتطبيق استراتيجية فلسطينية تكفل تحقيق أماني الشعب الفلسطيني.

وقبل طرح الرؤى لا بد من القول أن انقلاب حماس في قطاع غزة أو الحسم العسكري الذي شكل حالة الانقسام؛ أضاف سبباً لأهمية إعادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى مكانتها ودورها ؛بعدما كانت مؤجلة في أجندة العمل الفلسطيني؛ حيث تأخر ترتيب التفعيل؛ مما أضعف تمثيل المنظمة وقيادتها على الصعيد العالمي بشكلٍ أكبر.

أيضاً إن الجمع بين رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية والمنظمة؛ وقيادة العمل في كلا المؤسستين بعد اتفاقيات أوسلو ؛وذلك من قبل الرئيس الشهيد ياسر عرفات واستمراره في عهد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد توليه رئاسة السلطة والمنظمة؛ قد أدى إلى تلاشي حدود الصلاحيات والمسؤوليات بين السلطة والمنظمة؛ حيث انحصرت ممارسة العمل السياسي باسم السلطة الوطنية ؛مما دفع إلى مصادرة وإضعاف دور وصلاحيات دوائر م.ت.ف (على الرغم أننا لمسنا أهمية ذلك الجمع كنوع من الحفاظ على المنظمة ولو كانت مجمدة في قالبٍ ما وإلى وقتٍ ما! وخاصة أثناء بناء السلطة التي هي نواة الدولة الفلسطينية؛ والتي تم تخصيص الأهمية لها لتدارك كل وقت كان الرئيس الراحل أبو عمار ومن بعده الرئيس أبو مازن ؛يحاولان فيه الإثبات للعالم أن الشعب الفلسطيني يستحق أن يكون صاحب دولة تؤكد كينونته). إذن كان ذلك الجمع على ما يبدو أملاً من رئاسة م.ت.ف في تقوية السلطة وصلاحياتها؛ وتجاوز حدود نصوص أوسلو؛ لفرض واقعٍ سياسيٍّ يوفر مقومات وأساسات واحتياجات سريعة للدولة القادمة؛ ولو كان ذلك في أغلب الأحيان على حساب قوة قيادة تمثيل المنظمة، وتأجيل تراكم كل المشاكل إلى حين إقامة الدولة.

ونستذكر الأزمة الكبرى التي برزت بين حركتي فتح وحماس؛ والتي كان أساسها وبدايتها رفض حماس الاعتراف بتمثيل م.ت.ف للشعب  الفلسطيني؛ حيث تمسكت فتح ومعها بقية الفصائل الفلسطينية بهذا التمثيل وهذا الثابت؛ تمسكاً منها بإنجازات وحقوق الشعب الفلسطيني خشية ضياعها؛ وبالمقابل رفضت حماس كل الدعوات للانضمام للمنظمة والمشاركة بقيادتها؛ بحجة برنامجها السياسي؛ في الوقت الذي دخلت فيه الانتخابات التشريعية التي هي نتاج اتفاقية أوسلو،والتي وقعتها م.ت.ف.

ومما زاد في إضعاف دور المنظمة على كافة الصعد  هو استمرار رفض حماس تمثيل وقيادة م.ت.ف للشعب الفلسطيني ؛ رغم اتفاق القاهرة.ولاننسى أن حماس حاولت العمل على إنشاء جسم بديل عن المنظمة ؛إمعاناً في الرفض، لكنها فشلت أمام موقف فصائل وقوى م.ت.ف؛ ونرى أن حركة فتح مع التوجه الداعي لتفعيل المنظمة؛ وإعادة إصلاحها؛ وهي تطالب دوماً حركتي حماس والجهاد بالانضمام للمنظمة؛ وتحارب محاولات نسف تراث المنظمة النضالي وترفض إنشاء كيان بديل، وفق معايير دولية وإقليمية تضر بمصلحة الشعب الفلسطيني ؛وتودي بهم إلى الهاوية؛وعدم التعاطي مع كل ما ناضلوا من أجله.

وبما أن  م.ت.ف هي المعترف بها عالمياً ؛وهي المسؤولة عن جميع السفارات والممثليات الفلسطينية في العالم؛ كونها الكيان الممثل لكل الشعب، فيحق للفلسطينيين هنا السؤال التالي: (إذا ما انتهت السلطة يوماً في ظل غياب دور م.ت.ف وفي أجواء من يعمل لإنهائها؛ فمن سيعترف حينها من العالم بالشعب الفلسطيني وبالسفارات التي سيفرض إغلاقها بحجة وجود فراغ تمثيل سياسي لها؛ وسيُحال الأمر للدول الكبرى والقوية والمسيطرة في العالم لإيجاد حل سريع للقضية الفلسطينية بما يقضي على مصيرشعب بأكمله، المستفيد الوحيد هو إسرائيل؛ لذلك يرى سياسيون فلسطينيون وشريحة واسعة من الفلسطينيين أنه من المهم الآن الإسراع بتفعيل المنظمة لأن المطلوب النيل من الحقوق الفلسطينية ،ويوجهون نداءات متكررة لبعض فصائل المنظمة بعدم ارتهان مواقفهم السياسية للدول الإقليمية وغيرها، من أجل وعود خداعة باستلامهم دفة قيادة م.ت.ف. بينما الهدف واضح وجلي .وهنا أيضاًتكمن أهمية قيام الدولة الفلسطينية بسرعة. وخطوة التفعيل ستكون بعد إنجاح المصالحة الفلسطينية.

وفي الطريق نحو تفعيل مؤسسات المنظمة ؛ دعا سياسيون فلسطينيون إلى فهم التغير الذي حدث على الخريطة السياسية الفلسطينية ؛والذي سيؤدي إلى إنجاز وحدة الحركة السياسية الفلسطينية بتياريها الوطني الديمقراطي والإسلام السياسي؛ من حيث الرؤية والهدف المركزي وآليات العمل المشترك ولو بالحد الأدنى الضروري ؛أي الوحدة على أساس مرتكزات أساسية للعمل الوطني المشترك ؛والتي تتحكم في واقع مصير الشعب الفلسطيني .

إن فشل التيارين في تحقيق الاتفاق على هذه المرتكزات سيعني أن التناقضات بينهما سوف تتفوق على المصالح الوطنية العليا؛وإن استمرار التناقضات أيضاً سيؤدي إلى استمرار حالة العداء والانقسام .

وهنا على التيار الوطني الديمقراطي الممثل بفصائل م.ت.ف أن يعمل على تحديد استراتيجية في الشأن الفلسطيني الداخلي، بعد مواجهة الحقيقة الصعبة والمدمرة ؛ بعدم انجرار تيار الإسلام السياسي للاتفاق.

وأصبح معروفاً من قراءة الرؤى الاستراتيجية المطروحة على اساحة الفلسطينية أنه إذا ما توفرت العناصر الأساسية التي تحقق وحدة الحركة السياسية فإن الشعب الفسطيني سيتجاوز الأزمة المدمرة لقضيته؛ وهذه العناصر هي :

1. مركزية إنجاز دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران، وهذا يتطلب إعطاء أولوية لهذا الهدف الوطني على أهداف أخرى (مثل أسلمة المجتمع؛ أو إحكام سيطرة الإسلام السياسي على كيان منفصل يتيم في قطاع غزة؛ بحدود مؤقتة؛مقابل هدنة تضيع خلالها الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني).

2. الالتزام بالديمقراطية :كأساس للنظام السياسي؛ ونمط العلاقات الداخلية لوضع الانسان الفلسطيني وواقعه الاجتماعي ؛ وحفظ حق التعددية السياسية ؛وتدوير السلطة من خلال الانتخابات وسيادة القانون؛ وحفظ الحريات الفردية ( أي تقديم مصالح الشعب على المصالح الحزبية والتنظيمية).

3. الالتزام بالقانون الدولي؛ والتمسك به والمناداة لتطبيقه؛ خاصةً الانساني؛ والمتعلق منه بالعنف  الممارس من قبل إسرائيل وغيرها ؛والامتناع عن أية أعمال مخالفة للقانون الدولي ؛وموجهة ضد المدنيين.

4. الالتزام بالمشاركة الجدية والحرة بين التيارين الوطني الديمقراطي والإسلام السياسي وللجميع في العملية الانتخابية؛ والالتزام بتواجد ومشاركة فعالة في المؤسسات الفلسطينية التشريعية؛ بما في ذلك المجلس الوطني في م.ت.ف ؛وكذلك في الجهاز الوظيفي للسلطة؛ (ويكفل ذلك إيجاد دستور أو ميثاق يوفر أساساً قوياً لوحدة الحركة السياسية الفلسطينية وعملها المشترك ) .مما سيرفع سقف البرنامج السياسي بالمقارنة مع المواقف السياسية الحالية للسلطة والمنظمة، في مواجهة الضغوطات الممارسة عليها.

5. العمل على تعزيز أوضاع التيار الوطني الديمقراطي؛ وصياغة الخطاب السياسي له بشكلٍ أفضل وواقعي؛ مما يتطلب تفهمه لوجود الحقائق المستجدة والتعامل معها بما يفيد المصلحة العليا.

6. استمرار تحسين أوضاع السلطة الفلسطينية وإصلاحها بشكل جدي؛ واستعادة ثقة الجماهير بها؛ وتوضيح محدودية السلطة ؛والتأكيد على عدم جواز التعامل معها باعتبارها كيان مستقراً ودائماً؛ (لأنه في حال الاستمرار في انسداد طريق التسوية التفاوضية ؛ فإنه سيعاد النظر في إعادة صياغة السلطة بترحيل بعض صلاحياتها إلى م.ت.ف خاصة في المجال الخارجي بتحويل الوزارات إلى إدارات وإلغاء بعضها.

7. يجب تحديد البرنامج السياسي واليومي للجهاز السياسي الفلسطيني ألا وهو اللجنة التنفيذية للمنظمة ولحكومة السلطة (هذا البرنامج الذي يوفر إمكانية النضال من أجل إنجاز الهدف الوطني المركزي؛ والأهداف الأساسية الأخرى؛ مما يضمن إبقاء الجهاز السياسي جزءاً من النظام السياسي الدولي؛ ويضمن الحفاظ على الحقوق الفلسطينية دون تنازلات لا تبرير لها). والقضية الجوهرية هنا هي حل الدولتين على أساس حدود 1967؛ واحترام الاتفاقيات التبادلية "وهو مبدأ ثابت من العلاقات الدولية "أما الموقف الفلسطيني مما يسمى بالعنف فالقول هو تأكيد حق الشعب في المقاومة من حيث المبدأ؛ ورفض استهداف المدنيين الاسرائيليين ؛والعمل على وقف شامل لإطلاق النار؛وتوقف أعمال العنف مع تعزيز وتصعيد المقاومة الشعبية وتعبئة الجماهير في مواجهة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني.

8. من جهة أخرى ؛ على حماس أن تعي أنها مسؤولة عن حل التناقض بين برنامجها ووجودها في الجهاز السياسي أو السلطة التنفيذية وهناك عدة طروحات :

• إما بالتمييز بين موقفها هي كتنظيم وموقف الحكومة التي هي جزء منه.

• أو من خلال انتداب شخصيات من خارج تنظيم حماس لتكون في الحكومة.

• أو من خلال اكتفائها بالوجود في المجلس الوطني والتشريعي والجهاز الوظيفي  للسلطة؛ والبقاء خارج اللجنة التنفيذية والحكومة. وهناك من يرى أن هذه الرؤى غير عادلة؛ من زاوية المصلحة التنظيمية. ومن المهم الإشارة أن الوقت ينفذ دون تبني الحد الأدنى المذكور في الرؤى ويجب العمل لتحقيق الأهداف الوطنية ؛ وإعلاء مصالح الشعب، وفي مقدمتها إنقاذ القدس والضفة من التهويد، وإعمار غزة؛ ورفع المعاناة الهائلة عن أهلها هناك.

9. الإصرار على الإيقاف النهائي للاستيطان كشرط أساسي؛ لاستئناف التسوية التفاوضية؛ وهذا ما أخذت به م.ت.ف، في الفترة السابقة .

10. العودة إلى الاستناد والتمسك بأحكام القانون الدولي؛ ذات الصلة؛ وهذا أساسي بدءاً من أن وجود المستعمرات غير قانوني؛ وهذا انتهاك صارخ للقانون الدولي؛ وجريمة حرب؛ وليس إجراءً ضاراً لعملية السلام فحسب، كما تصفه الدول المساندة لإسرائيل.

11. على الفلسطينيين إعادة بناء تحالفهم؛ وتوسيع دارة العمل والتأثير؛ والتخلي عن إعطاء الأولوية المطلقة للعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهنا تكمن ضرورة بناء تحالفات وعلاقات مستقلة خاصةً مع توفر أسس قوية للعلاقات؛ عربياً وإسلامياً؛ ومع دول عدم الانحياز وأوروبا والصين وغيرها؛ ويبدوعربيا ًوكأن العلاقة مع الولايات المتحدة هي العامل الأهم في تحديد نمط علاقة بعض العرب بالفلسطينيين، بدلاً من أن تكون على أساس قوي وصلب من المصالح والمواقف المشتركة؛ مما يفيد استعادة السيطرة على القرار الفلسطيني. وبالفعل نلمس من القيادة الفلسطينية في م.ت.ف ممارسة تلك السياسة مؤخراً.

12. تنشيط آليات العمل الدولية؛ وخاصةً مجلس الأمن وكل ما يمت بمنظومة الأمم المتحدة (ولقد حقق الفلسطينيون انتزاع الاعتراف بفلسطين كدولة مراقب غير عضو في الامم المتحدة).

13. على التيار الوطني الديمقراطي أن يطرح استراتيجيته وبرامج عمله وخططه؛ لتفعيل م.ت.ف بشكلٍ فعال وعملي؛ ومفصل على طريقة المناضل الراحل فيصل الحسيني  (مسؤول ملف القدس)، وليس أن تبقى عقيمة لا تتعدى حروفها المخطوطة.

إن تفعيل المنظمة هو إرادة فلسطينية قوية بالإجماع. وعلى المطالبين بتفعيلها أن يكون هدفهم هو المحافظة على هذا الممثل الشرعي وتقويته؛ فذلك ينعكس إيجاباً على هذا الوطن المعنوي وشعبه ،لحين إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الـ67 وعاصمتها القدس؛ وحل قضية اللاجئين حلاً عادلاً.