عندما طلبت القيادة العسكرية للجيش من الشعب المصري الاستفتاء على الاجراءات الأمنية التي ادرجتها تحت عنوان "مواجهة الارهاب". وهو الذي بدأ يطل برأسه بقوة من خلال العديد من العمليات الارهابية والتي كانت غالباً ما ترتدي الطابع الطائفي والمذهبي، كان الجيش وقيادته يدركون مخاطر هذه المواجهة وصعوبتها، خصوصاً بعد افتضاح وانكشاف دور جماعة الاخوان المسلمين ومن ورائهم العديد من القوى الاصولية في هذه العمليات بل وثبوت تخطيطها وتنفيذها وفي كثير من الاحيان بطريقة مباشرة وهو اي الجيش الذي شكل الضمانة والحارس الأمين لانتصار ثورة يناير التي اسفرت عن وصول الاخوان المسلمين الى رأس السلطة على انقاض نظام حسني مبارك، وهو كان يضع في اعتباره ان هذه النتيجة تشكل ترجمة للديمقراطية والارادة الشعبية المصرية التي انتفضت في وجه النظام السابق ورئيسه حسني مبارك. لكن ما حدث بعد ذلك وقبل مرور أقل من عام على تولي "الرئيس" محمد مرسي رئاسة الجمهورية حتى تكشفت حقيقة المخطط الاخواني الداخلي والخارجي على السواء. فعلى الصعيد الداخلي تجلت بصورة جلية ارادة الاخوان المسلمين وسعيهم "لأخونة" المجتمع المصري وليس أسلمته كما حاولت أن تروج وسائل الاعلام والابواق الاخوانية التي اختبأت وراء مزاج مصري شعبي شديد الايمان والتمسك بالاسلام كديانة حتى وان كانت بعض هذه الدعوات تنطلق من الحديث عن بعض المظاهر الاسلامية والتمسك بها كالنقاب والحجاب والاحتشام في الاماكن العامة وهي كلها قضايا لا يرفضها الشارع المصري الشعبي بل على العكس يعلن التأييد لها. وهو بالضبط ما استغلته جماعة الاخوان المسلمين أشد استغلال، لتحرر بعد ذلك ما كان مخبأ في جعبتها وما كان مستوراً عن اعين المجتمع المصري الذي صدق هذه الجماعة ومنحها ثقته في صناديق الاقتراع والانتخابات التشريعية والرئاسية وهي حالة قام الجيش نفسه بحمايتها الذي فوجئ وقبل أقل من عام بالتجاوزات الخطيرة والكثيرة والتي وصلت في بعض الاحيان الى حد تهديد استقرار المجتمع المصري داخلياً وكذلك الى درجة تهديد الأمن القومي.

فجماعة الاخوان المسلمين التي وصلت الى السلطة في الوقت الذي لم تستطع تقديم اي بدائل او برامج على الصعيد الداخلي سواء الاقتصادية او السياسية وبالتالي لم تستطع تشكيل البديل المنطقي والحقيقي لنظام حسني مبارك المخلوع الذي اتصف بما بات يعرف بتخمة وتزايد اعداد "حيتان" المال والسياسة التي نمت بصورة كبيرة وتزايدت في ظله مع تصاعد وتائر الفساد والافساد ونهب ثروات الشعب المصري وتسخيرها لحساب حفنة من رجالات النظام وعلى رأسهم ابناؤه وزوجته والمقربون منهم.

وهو ما استفاق عليه المجتمع المصري بعد ما يقارب العام من سلطة "الاخوان" فهي لم تقدم اي اجابات او بدائل لما كان يمارسه النظام السابق على المستوى المجتمعي وما يتعلق بحياة الشعب المصري ومما  جعل الشعب المصري يتساءل عن الانجازات والوعود المقطوعة ما قبل وخلال "ثورة يناير"..

وبعدما تيقن الشعب المصري بان جماعة الاخوان التي وصلت الى رأس السلطة ما هي الا الوجه الآخر لعملة النظام السابق وبأن محمد مرسي هو الوجه الآخر لـ محمد حسني مبارك "المخلوع" ما دفع الشعب المصري الى اللجوء الى جيشه الذي شكل في كل مرة يتعرض فيها الشعب المصري لمخاطر جدية تتعلق بمصيره وبمستقبله منذ أيام محمد على مروراً بثورة أحمد عرابي وصولاً الى حقبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حيث شكل فيها الجيش المصري الضمانة الاساسية لحماية المجتمع وعلى مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وهو ما شكل العنوان الأول لتحرك الجيش والذي اضيف الى العنوان الثاني والذي لا يقل خطورة وحساسية بالنسبة للشعب المصري وللمحيط الاقليمي العربي والاسلامي عندما اكتشف الشعب المصري وقيادته وجيشه المخطط الاخواني وبأعلى المستويات وصلت الى مستوى الرئيس والمرشد والسكرتير العام والتنسيق مع الاستخبارات الاميركية والذي وصل الى درجة تخوينهم من قبل المعارضة وهو ما كشفته الادارة الاميركية نفسها التي فضحها مجلس الشيوخ والكونغرس الأميركيين عندما طالبا الرئيس اوباما وادارته بتفسيرات عن المبالغ التي دفعت الى الرئيس والمرشد والسكرتير "الاخوان" لقاء التنازل عن مساحات شاسعة من صحراء سيناء وتحديداً من الشمال الغربي وهي المنطقة الملاصقة لقطاع غزة والحدود المشتركة الفلسطينية المصرية لقاء عدة ملايين من الدولارات قبضها "الثلاثي الاخواني" من الاستخبارات الأميركية..

وهذه الفضيحة التي لم يستطع الشعب المصري هضمها وهو ما دفعه الى اللجوء الى حارسه الامين اي الى قواه المسلحة وجيشه الوطني الذي بدوره بطريقة سريعة وجدية وقام بما قام به من عزل للرئيس واعتقال رموز الاخوان المسلمين وتقديمهم للمحاكمات وللعدالة بتهم كثيرة تبين أنهم ارتكبوها خلال وقبل مدة العام "الرئاسية" ولعل أخطر ما في الامر هي قضية صحراء سيناء والحديث عن معرفة حركة حماس بذلك وقبولها بنتائجه الذي تبين بأنه مخطط اميركي – اسرائيلي يهدف الى استبدال اعلان الدولة الفلسطينية المستقلة والتي اعترفت بها معظم دول العالم والأمم المتحدة على الاراضي التي احتلت عام 1967. بما فيها القدس الشريف وبالتالي البدء بمطالبة اسرائيل بالانسحاب من هذه الاراضي باعتبارها اراضي دولة محتلة. بدولة "فلسطينية" جديدة بعد ضم هذه الاراضي الى قطاع غزة وبرضى الاخوان وحماس لاعلان دولة فلسطين عليها تشكل بالدرجة الاولى خدمة كبيرة وجليلة لاسرائيل التي تتخلص من الضغوط الدولية جراء احتلالها للاراضي الفلسطينية وبالتالي تشكل مخرجاً للادارة الاميركية التي اعلن الرئيس اكثر من مرة عن رؤيته في حل الدولتين حيث تشكل له الصيغة الجديدة متنفساً لهذه "الرؤية" وبالتالي صرف شيك "الدولة الفلسطينية" من الرصيد والحساب المصري وعلى حساب الاراضي المصرية.

وهذه القضية التي استشعر بها الشعب وبالتالي الجيش المصري بالعديد من المخاطرالتي لا تهدد فقط القضية الفلسطينية وحسب بل ايضا تهدد المجتمع المصري نفسه وتركيبته وهو ما يضعه أمام مخاطر جدية وجديدة والذي بدأت جماعة الاخوان تنفيذ معالمها وبداياتها وبالاشتراك وللأسف ايضاً مع حركة حماس من خلال المواجهات والمهمات ضد الجيش المصري والعمليات الارهابية ضد عناصره. حيث اكد الجيش المصري ان الجماعات "الارهابية" التي تواجهه في شمالي سيناء دربت وجهزت وسلحت من قبل حركة حماس التي حولت القطاع الى خزان ومستودع اسلحة ومتفجرات لهذه الجماعات من خلال استخدام الانفاق اياها التي كانت تستخدم ايام الحصار الى تهريب المواد الغذائية والادوية وسواها للقطاع ايام الحصار الاسرائيلي اذ اصبحت اليوم انفاقاً لتهريب الاسلحة والعبوات الناسفة والذخائر لهذه الجماعات التي تخوض حربها الشرسة ضد الجيش المصري. كرد على احباطه مخططات "الاخوان" بشعبها المصري والفلسطيني والتي يبدو انها ستطول تنفيذاً لما أعلنه كثير من قيادات الاخوان بأنهم سيحرمون السلطة التي قامت على انقاص سلطتهم من الحكم ولسنوات طويلة رداً على حرمانهم السلطة ولو لعام واحد. ولسان حالهم يقول اذا كان الجيش لم يمكن الاخوان من الحكم لأكثر من عام فانهم اي الاخوان سيحرمون غيرهم الحكم "بالمرة"..

وهنا لا بد من السؤال عن الدور الحقيقي الذي تلعبه حركة حماس هناك ومدى مواءمة هذا الدور مع الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني والحفاظ على هويته وتاريخه وماضيه ومستقبله.