بقـلم/ هيفاء داوود الاطرش

لقد شكلت سورية للاجئين الفلسطينيين بعد نكبة 1948 مكاناً للاستقرار السياسي والأمني مقارنة (بدول الطوق) والجوار ؛ مما جعل منها محطة لجوء فضلى للفلسطينيين القادمين من الأردن بعد أحداث أيلول الأسود1970 ؛ ومن لبنان إبان اجتياح 1982؛ وكذلك من الكويت بعد حرب الخليج الثانية 1991 ؛ ومن العراق بعد سقوط بغداد 2003.

ولقد سمحت القوانين السورية لهم بحرية العمل والتنقل؛ والانخراط في الحياة الاقتصادية مع بعض القيود.وتم استيعابهم بشكل تام في المجتمع السوري عبر تعديل بعض القوانين،لتسهيل عملية الدمج الاقتصادي ؛مما أدى لحصول اللاجئ الفلسطيني على حقوق مساوية للمواطن السوري في التوظيف والتعليم والصحة وحتى التملك مع نواقص تجلَّت في حرمانه من الوصول إلى مراكز سياسية حساسة أو في التصويت والترشح للانتخابات؛بحكم أنه لاجئ مؤقت لحين عودته لوطنه فلسطين.ولقد وصل تعداد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا حوالي 600ألف، موزعين على 15 مخيم في أشهر المدن السورية؛أبرزها مخيم اليرموك ؛ والذي يعتبر أكبر تجمع لهم ؛بالإضافة لكونه مركزاً لقيادة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية المتواجدة في سوريا ؛وقد شكل هذا المخيم حالة اندماج بشري واقتصادي مع مدينة دمشق؛ حيث اعتبر  ضاحية جنوبية للعاصمة السورية ،مما أدى إلى تحوله لسوق يؤمه السياح العرب وبعض الأجانب وخاصة من دول الإقليم، وهناك من يصنفه بأحد أهم أسواق المنطقة العربية ؛بالإضافة إلى كونه مصدر الحراك السياسي الوطني والثقافي المؤثر على كافة مخيمات اللجوء في سوريا.

ولقد حافظت بقية المخيمات على الاستقرار والانسجام بين العائلات بسبب انعزالها بشرياً واقتصاديا عما حولها، مثل مخيم جرمانا وخان دنون؛ وشكل معظم سكان خان الشيخ حالة فريدة في عملهم بالزراعة ، حيث طبيعة المكان، في الوقت الذي حافظت فيه كافة المخيمات في سوريا على التمسك بالهوية الفلسطينية ؛ والتي صنعت لها رصيداً و طنياً عبر تقديمها قوافل عديدة من الشهداء، وكونها صوتاً قوياً للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في العودة والتحرير.

كما وشكلت التجمعات الفلسطينية رافعة للثقافة ؛فكان المشهد الثقافي يرسمه مثقفون أدباء وكتاب وباحثون وفنانون ، سجل التاريخ إبداعاتهم التي كشفتها نكبة فلسطين ؛وامتدت عبر السنين لتتجسد أركان ثقافة قوية ومؤثرة على الثقافة السورية بشكل راق وملموس، وقد شهدت المخيمات نشاطات ثقافية عالية المستوى، حيث لعبت هذا الدور أيضاً المنتديات الثقافية التابعة لفصائل م.ت.ف في مراكزها ومكتباتها الثقافية، وبالمقابل بقي إهمال النواحي الاجتماعية للفلسطيني هناك خاصة مشاكل الشباب وما ترتب عليها من آثار سلبية على أداء تلك الفئة، خاصة بعد عام 1982.

وفي أواخر الستينات وفترة عقد السبعينات تزايدت القدرة الاقتصادية للاجئين الفلسطينيين في سوريا ،بارتباط قاعدة النشاط الاقتصادي في المخيمات بتنامي القدرة الاقتصادية ؛ وبتوسع رقعة المخيم والعمران فيه؛ خاصة في مخيم اليرموك كأكبر تجمع فلسطيني.

ولقد شهد اليرموك من أواخر السبعينات وحتى التسعينات توسعاً ملحوظاً في النشاط الاقتصادي؛ بسبب تسلل رأس المال الدمشقي له ،مما قلل من ظهوره بطابع المخيم البسيط المتعارف عليه في الشتات؛ حيث شهد ظاهرة محدثي النعمة ممن عملوا في دول الخليج وعادوا لامتلاك الأراضي واستثمار العقارات وإقامة المؤسسات الصناعية والتجارية، ومن موظفي الاونروا الذين استثمروا مدخراتهم أيضاً.

ولقد ساهم أكثر من 70 % من اللاجئين الفلسطينيين في قطاع العمل السوري بكافة أنواعه، مما شكل لهم وضعاً اجتماعياً لا يستهان به. ولم يكن ذلك عبئاً اقتصادياً أو اجتماعياً على الدولة السورية، بسبب قلة عدد الفلسطينيين مقارنة بعدد  السكان الأصليين.

وهنا نورد عدد العاملين الفلسطينيين في مخيم اليرموك على سبيل المثال في الفروع الاقتصادية حتى عام 2002، حيث بات مخيم اليرموك اقتصادياً يخدم نفسه والمناطق المجاورة له.ففي مجال الصناعة يعمل 23392 ؛وفي الحرف والمهن8900؛ والخدمات 5256؛ التجارة 3165؛ الأعمال المكتبية 1284 ؛الزراعة 642؛عاملون في الإدارات 229، ما يشكل مجموعه 42868 فلسطينياً من أصل 150 ألفاً في مخيم اليرموك، هذا غير الموظفين الفلسطينيين في مؤسسات الدولة السورية الرسمية.

وعلى الرغم من ذلك بقي مستوى معيشة الفلسطيني أدنى من مستوى معيشة السوري ، حيث سجلت آخر الإحصائيات لعام 2011 معدل الدخل الشهري للأسرة الفلسطينية والذي  بلغ 12460 ليرة سورية، أي ما يعادل 2076 ليرة سورية للفرد الواحد ،علماً أن حجم العائلة يوازي 6 أفراد، وإن سـُجلت معدلات منخفضة في الدخل في بعض التجمعات الفلسطينية هناك.أيضاً يذكر أن المخيمات عموماً مخدمة صحياً من قبل الأونروا - رغم تقلص خدماتها بعد اتفاقيات أوسلو – ومن قبل الهلال الاحمر الفلسطيني بمراكزه ومشافيه، ويتلقى الفلسطيني في سوريا علاجاً مجانياً في المشافي الحكومية السورية بما فيها علاج الأمراض المستعصية.

أما بالنسبة للوضع التعليمي فقد كان اللاجئون الفلسطينيون ينعمون بالتعليم المجاني في مدارس الاونروا ومدارس وجامعات الدولة السورية.

وفي ظل الحرب الطاحنة بين الحكومة السورية والمعارضة، تم إقحام المخيمات الفلسطينية في أتون المعارك وذلك حسب تركز تواجد معظمها حول دمشق ،وإن كان القرار الفلسطيني بالحياد والنأي بالنفس عن الأحداث.

ومما زاد في تورط الفلسطينيين في ما يجري – حسب مراقبين – هو انحياز بعض الأطراف الفلسطينية لصالح طرفي الصراع على حدٍ سواء،وكذلك تداخل المخيمات مع محيطها السوري والاندماج الاجتماعي وحتى العائلي مما يجعل الحياد أشد صعوبة، ولكن يبقى الحديث عن تورط البعض الفلسطيني مقتصراً على أعداد محدودة ،ولا يعني عملياً تورط مجمل الفلسطينيين في الازمة السورية .ورغم ذلك وقعت المخيمات المجاورة لدمشق تحت نيران الاشتباكات والقصف، مما أدى إلى تدمير الممتلكات بين الكلي والجزئي ،وخاصة مخيم درعا واليرموك ،حيث تم تدمير ما نسبته 25% من مباني اليرموك بشكل كامل و75% بين تدمير جزئي ومتضرر؛واستشهاد أكثر من 4700 فلسطيني في كافة المناطق، وتهجير أكثر من 250ألف فلسطيني داخل سوريا، وتشريد أكثر من 120ألفاً منهم خارج سوريا ودول الجوار.حيث تراوحت نسبة هجرة اللاجئين الفلسطينيين القسرية من مخيمات سوريا من 50% إلى 95% معظمها من مخيم درعا أول المخيمات المنكوبة ومن مخيمات اليرموك والحسينية وخان الشيخ في دمشق وحندرات في حلب.

وتحت وطأة صعوبة الوضع الفلسطيني الراهن المقترن بالأزمة السورية ، من عدم مقدرة الأمم المتحدة على إدانة واضحة لما آل إليه اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، ما عدا بعض التصريحات الخجولة وفي أوقات محددة ؛ ووقوفها عاجزة عن الحل ؛ومن رفض إسرائيل لطلب السلطة الوطنية الفلسطينية بالسماح لعودة هؤلاء اللاجئين إلى الأراضي الفلسطينية؛ ومن شح للمساعدات فقد بقوا هائمين كالريش المتناثرفي مهب رياح الغربة والتشرد، ومهدورة كرامتهم على الحدود العربية. كل ذلك أمام عجز "م.ت.ف" عن حماية شعبها بسبب الحصار المفروض عليها والظروف الدولية القاهرة.

لذلك فإن ما بـُنيَ  بشكل طبيعي للاجئ الفلسطيني في سوريا منذ نكبة 1948 حتى ما قبل الأزمة السورية، بسبب تداخل الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية بينهم وبين الشعب السوري ،وبسبب الإهمال والتقاعس العربي والدولي والتأخر في حل القضية الفلسطينية ،قد تم الإجهاز عليه بشكل نهائي حسب التقارير الواردة من محللين سياسيين ومراقبين ومن أطراف الصراع السوري.

وهناك من يؤكد أن انحياز أطراف فلسطينية  مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة إلى جانب الحكومة السورية، وحركة المقاومة الاسلامية حماس إلى جانب المعارضة، قد أحدث انقساماً سياسياً فلسطينياً ضمن تواجدهم في سوريا ؛حتى أن بعض المحللين قد شبهوا الحالة بالانقسام الفلسطيني الذي حدث عام 2007 .

وهناك من يعارض هذه الرؤية بالمطلق لأن نسبة الموالين لأحد طرفي الصراع قليلة جداً ولا تعكس الإجماع الفلسطيني في سوريا، الذي يرفض انجرار المخيمات نحو هاوية الحرب،التي أضرت بمصلحة معظمهم من كافة النواحي .

وإن كانت الرؤيا الفلسطينية مع إرادة الشعب السوري في طلب حقوقه الوطنية كباقي شعوب العالم، مع الحفاظ على الحياد.

لقد كان للأزمة السورية انعكاسها الرديءعلى التواجد الفلسطيني هناك ، فكانت خسارته مساوية تماماً لخسارة السكان السوريين المتضررين من هذه الحرب ،فكل ما يمكن أن تحدثه الحرب في مستقبل الشعوب قد حصل في سوريا، من تشرد بكل ما تحتويه الكلمة من معنى ، ومن فقدان للأقارب والمعارف،وخسارة الممتلكات والحياة اليومية التي كانوا ينعمون بها، وخسارة للعمل وبالتالي للدخل الشهري وللحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية التي كانت تعني الكثير للاجئ الفلسطيني في سوريا، وإن كان هذا لا ينفي وجود أمراض اجتماعية ، من بطالة وإدمان على المخدرات والمشاكل العائلية وغيرها مما عاناه اللاجئ هناك سابقاً قبل اندلاع الأزمة،في دولة ساد فيها نظام الرشوة، حيث السلطة فيها للقوي والغني  .

ويجدر الذكر أن المخيمات التي لم تطلها الحرب بشكل فعلي وواضح كما باقي المخيمات مثل (جرمانا وخان دنون والرمل ومخيمي العائدين في حماة وحمص)،قد أصابتها التخمة السكانية بفعل هجرة الفلسطينيين إليها من المخيمات المتضررة،مما ولـَّد مشاكل متفاقمة وأزمات إغاثية واجتماعية وحياتية بسبب نقص الموارد والامكانات المنعكسة أصلاً في البلاد كافة. ووكالة غوث اللاجئين تقف عاجزةعن القيام بدورها المفترض وكذلك لا وجود لمؤسسات أهلية حقيقية على الأرض ،وإن وجدت لا تنسيق فيما بينها، وكذلك كان لغياب مؤسسات م.ت.ف في سوريا الدور السلبي الأبرز حيث كانت متوقفة بقرار عربي وضغط وحصار خارجي بعد حرب لبنان 1982؛ وكان تحركها الأخيرعبر دائرة اللاجئين الفلسطينيين في الوقت الضائع بعد انفلات زمام الأمور ،لا جدوى منه للوصول إلى حل جذري على كافة الصعد وأهمها السياسي وبما يخص أمن المخيمات وتحييدها،في ظل تداخل جغرافيا المخيمات مع جغرافيا أماكن الاقتتال الداخلي السوري، وأيضا ً عدم وجود ضمانات من طرفي الصراع ،حيث كانت م.ت.ف لا تزال تتعامل مع الطرفين بدبلوماسية مفرطة لم تُـجدِ أبداً معهما.

ولم تقتصر مشكلة معظم الفلسطينيين في سوريا على الجانب الاجتماعي فقط رغم ضرورته ،بل على الجانب السياسي أيضاً ، حيث شكل الغياب  القسري لمنظمة التحريرالفلسطينية عنهم  كما أسلفنا والذي وُجـِدَ على إثر الخلاف السياسي السوري الفلسطيني،انقطاعاً مؤثراً شكَل عدم ثقة من قبلهم بما تقوم به هذه الممثلية الشرعية ، حيث بات تأثيرها أي المنظمة غير ملموس في ظل الحصار الدولي والعربي المفروض عليها عبر تلك السنين وأبرزها سنوات ما بعد اتفاق أوسلو .وذلك أدى بشكل تلقائي إلى تعطيل الاتحادات الشعبية الفلسطينية المنضوية تحت لواء م.ت.ف ، ولو لم يكن ذلك لنجحت تلك الاتحادات في مجال الإغاثة والصحة والإيواء وضبط الوضع العام للمخيمات وحمايتها إلى درجة استجلاب مساعدات دولية عبر اتحادات نظيرة لها في دول العالم، قد يصل إلى تنسيق عالٍ يفعل فعله بشكل إيجابي.

والمراقب للوضع داخل المخيمات يجد الآن صعوبة في استنهاض حالة شعبية فلسطينية لتشكيل لجان إغاثة وصحة وما إلى ذلك – وإن وجدت هذه الحالات بشكل فردي وغير كافٍ لكنها بدافع وطني شـُهِد لها بالاخلاص والتفاني – لا لشيء سوى لقلة الامكانيات فعلياً ، والحصار المفروض والطوق الأمني المضروب من جهتي الصراع ، وبعض الممارسات التي تقتل كل محاولة من ذلك النوع ،وهجرة الأغلبية داخل وخارج سوريا، ولا ننسى كيف شكل أهالي مخيم اليرموك حالة مميزة في إغاثة اللاجئين السوريين الذين لجؤوا إليه من المناطق المجاورة المستهدفة بتاريخ تموز 2012      طالبين الأمان ، وكذلك الحال عندما أغاثوا اللاجئين القادمين من لبنان في حرب 2006.

وإن ما أنتجته هجرة هؤلاء الفلسطينيين من مشاكل نفسية واجتماعية قد أسهم في تفاقمها  ،حيث سجلت حالات انتحار فعلية ومحاولات أخرى بين فئة الشباب ، ومشاكل متنوعة تفجرت نتيجة ضغط شح المساعدات وانعدام سوق العمل، وتجمع أكثر من عائلة وصولاً إلى سبع عائلات في منزل واحد ، وفقدان أفراد الأسرة نتيجة الهجرة أو الموت المباشر أو غير المباشر بسبب ضعف الامكانيات الطبية، وخسارة الممتلكات وكل ما اعتقدَ أنه قد يؤمن مستقبله وعائلته، حيث استفاق اللاجئ الفلسطيني على حياة معاكسة تماماً لما كان عليه سابقاً ، فهو مرفوض ومنبوذ وهائم في العراء ومراكز الإيواء التي تفتقر لأدنى شروط الحياة البشرية ، أو تحت سياط الغلاء الفاحش في دول الجوار ،وشح المساعدات المقدمة من الاونروا وحتى من بعض الجمعيات الخيرية التي تخصص مساعداتها للمهجر حسب انتمائه السياسي.وبالتالي دفع المجموع الفلسطيني في سوريا الثمن باهظاً.

وأمام عدم جدية الدول المستضيفة للمهجرين الفلسطينيين من سوريا ،وعدم تلقي هذه الدول أصلاً ووكالة الغوث الدعم الحقيقي من الدول المانحة، تضيع الدراسات والبرامج المخصصة لهم هباءً منثورا، إذ يلمس هؤلاء المهجرون إهمال احتياجاتهم والتي تـُختصر بمساعدات غذائية غير كافية - على أهميتها – وبمساهمات خجولة لا ترتقي إلى مستوى المسؤولية الانسانية .

وبسبب عجز وكالة الغوث عن تقديم المساعدات المطلوبة ،حيث حدد المفوض العام للأونروا فليبو غراندي حاجة الاونروا الشهرية إلى 120 مليون دولار لتغطية احتياجات اللاجئين الفلسطينيين، وكذلك تقاعس الدول العربية عن الدعم ، فإن الدعوة قائمة وملحة لعقد مؤتمر دولي لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ،إذ لا عودة للوراء حسب كل المعطيات والمؤشرات السياسية الدولية والعربية ، وبالمقابل فإننا نجد معظم هؤلاء اللاجئين المهجرين يرغبون بالعودة إلى مخيماتهم، بعد انتهاء الأزمة السورية، لاستئناف حياتهم وإصلاح ممتلكاتهم التي لا يريدون خسارتها ، وذلك يأتي انعكاساً لما لمسوه من انسداد الأفق السياسي الفلسطيني المفروض أمريكياً وإسرائيلياً ، وأمام ضعف الطرف الفلسطيني، لكن اللاجئين لا يمانعون العيش بكرامة في الأراضي الفلسطينية وضمن تأمين حقوقهم المشروعة، في حال تحققت بعض السيناريوهات التي تقول بعدم قدرتهم على العودة لمخيماتهم وفق الوضع السوري الخاص والقادم ،وفي حال تم القرار بإبعادهم عن طريق فرض الهجرة إلى الخارج كما حصل مع فلسطينيي العراق الذين يعانون الأمرّين هناك،فالوطن أحق بهم حسب رؤية معظمهم في هذه الحالة.

ويبقى من يتطلع بتفاؤل إلى الوضع الفلسطيني  في سوريا ،بعد انتهاء الأزمة ويدعو لضرورة تحرك المؤسسات الوطنية الفلسطينية لوضع خطط للإعمار وإعادة ما تم تدميره في المخيمات وبقية المناطق السورية فيما يخص أملاك الفلسطينيين فيها ، والمطالبة بتطبيق آلية وطنية لعمل الفصائل تنهي حالة الانقسام السياسي، وتغلّـِب مصلحة أبناء الشعب الفلسطيني المنكوب في سوريا.

لكن أمام هذا الوضع الرديء والتداعيات الخطيرة للأزمة السورية، والمنعكسة سلباً على الفلسطينيين هناك،لا يمكن التنبؤ بحلول واقعية وقريبة إلا ما تم التخطيط له مسبقاً في غياهب السياسة الأمريكية والإسرائيلية منذ سنوات ، وحسب ما رسم لهذا الشرق الأوسط الذي يريدون له جديداً وفق قياسات السلام القادم .

وأعتقد أن إقامة مؤتمر دولي من أجل فلسطينيي سوريا هو بالفعل أصبح قريباً جداً ، وستـُقدم مبادرات في سياق حل هذه القضية ، وفق أقل الخسائر بالنسبة لإسرائيل حسب منطق القوة،وما يتوافق مع ما طرح سابقا ً داخل كواليس المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية ، مثل اعتبار فلسطينيي سوريا مواطنين للدولة الفلسطينية ،أو إسكانهم في مناطق بديلة كما طرح سابقا ً، أو منحهم حق المواطنة في حال تهجيرهم للخارج ، خاصة أن قرار 194 لا تعتبره إسرائيل إطلاقا ًالعودة إلى أراضي 1948 ،، وأتوقع أن يتم عودة هؤلاء المنكوبين إلى أراضي الدولة الفلسطينية للعيش فيها ، أسوة بالواقع الذي سيؤول إليه اللاجئون الفلسطينيون المتواجدون في مخيمات الضفة والقطاع ،حيث سيكونون مواطنين في تلك الدولة بشكل تلقائي، ويبقى هذا هو الحل الواقعي الأمثل أمام المأساة المتفاقمة ،وفي أسوأ الأحوال، فالشعب الفلسطيني يؤمن بمقولة (لن يضيع حق وراءه مطالب ).