لا أظن بأن نوافذ مركبة الأمين العام للأمم المتحدة والتي شقت طريقها نحو المقاطعة في رام الله كانت مفتوحة عند مرورها بسحب الدخان المتصاعد بفعل القمامة التي اجبر الناس على إحراقها في شوارع مدينة البيرة بعد إغلاق الاحتلال لمكب النفايات هناك.
الأمين العام وفي حال أنه لم يشتم رائحة الحريق سيكون قد رآه حتماً وهو يتصاعد باتجاه بيوت الناس في حال أشبه بمهازل الإنسانية. فإسرائيل التي تشكونا للعالم اليوم بتهمة التحريض وشكت إحدى أغانينا مؤخراً وعادت قبل أيام لتشتكي كوفيتنا عندما اتشحت بها العائلة المالكة في السويد قبل أيام تأتي اليوم وفي أوج غطرستها لتستدعي أرتال جرافاتها لتنقل النفايات الفلسطينية من أحد المكبات إلى مدينة البيرة فتغلق بعض الشوارع وتنثر القمامة وسط الناس حرصاً على ألا تزعج تلك القمامة أنوف مستوطنيها. جريمة حرب جديدة تقوم بها إسرائيل في ظل الثبات المستديم لعالم يخشى سطوة اللوبيات الصهيونية فيتبنى البعض منه سياسة الحياد الدبلوماسي.
وفي أوج الاحتراقات الكربونية لأطنان القمامة وحديث إسرائيل المستديم عن بناء المستوطنات واصدارها لقوانينها العنصرية يحزننا أن نرى الأمين العام للأمم المتحدة يتبنى سياسة اصطلح على تسميتها في الأوساط الأممية بسياسة "التوازن". فما من جملة يكتبها أو يصرح بها بخصوص الصراع العربي الفلسطيني حتى يدعو فيها "الطرفين" إلى كذا وكذا.. في مساواة وموازاة بين الاحتلال ومحتليه.
فضحايا مصادرة الأراضي وسرقة المياه وبناء الجدار والمستوطنات والاحتلال الأطول منذ عقود وتهويد الأرض وتقليعة قنابل النفايات الأخيرة يوضعون في نفس الكفة مع محتلهم الذي أهان الأمم المتحدة مراتٍ ومرات بضربه عرض الحائط بقراراتها ويقف رئيس حكومته ليتشدق في حضرة الأمين العام متحدثاً عن السلام.
فيرد عليه كي مون بمقولة الأمين العام الشهيرة: ندعو الطرفين إلى العمل المشترك لإنهاء الصراع وعدم اتخاذ أي خطوات من شأنها التأثير على نتائج الحل النهائي. وبهذا يكون القاتل والمقتول في كفة واحدة.
فلان يقتل وندعوه ونتمنى عليه! وفلان آخر في مكانٍ ما في العالم يقتل الأمل فنحرك قواتنا ونستصدر القرارات لحربه رافضين الزيارة والحوار وحتى إعمال الدبلوماسية.
لم يعد من المقبول حقيقة أن تتبنى الأمم المتحدة خطاب "التوازن" هذا. أليست إسرائيل دولة محتلة حسب قرارات الأمم المتحدة؟ ألم تمتنع إسرائيل عن تنفيذ عشرات من تلك القرارات وآخرها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنح فلسطين عضوية المراقب. ألم تقصف إسرائيل مقرات الأمم المتحدة والآمنين فيها وأغذيتهم في قانا وغزة؟ ألم تمنع إسرائيل الأمم المتحدة ذات يوم من القيام بمهامها؟ فهل يتساوى المحتل مع من يحتلهم؟
الحسم لا بد وأن يأتي من الأمم المتحدة التي يقدرها الشعب الفلسطيني ويحترم أمينها العام. وهذا الحسم سيشكل الفصل الأخير في عزل إسرائيل لتمردها على قرارات الشرعية الدولية وخرقها للقانون الدولي وإخلالها بالاتفاقيات الموقعة واعتدائها المستمر على حقوق الإنسان وليس أقله مصادرة حرية آلاف الأسرى.
قنابل القمامة الفلسطينية حركت جحافل الجيش الإسرائيلي وغداً ربما سيحرك هذا الجيش صواريخه النووية إذا ما قرر الفلسطينيون إنشاء محطة لتوليد الطاقة تعمل بحرق تلك النفايات. وسينتعش هذا النهج وذاك في كل مرة تتبنى الأمم المتحدة سياسة "التوازن".
نحن ندعو الأمين العام الذي يدعونا لضبط النفس وعدم اتخاذ أي خطوات من شأنها تغيير الوقع على الارص أن يتخذ خطواتٍ جريئة لتعرية المحتل وإدانة المعتدي.. فاليوم تحتقن انوفنا من رائحة القمامة بينما تحتقن أنوف البشر من رائحة احتلال مقيت! فأي توازن ذلك الذي تتبناه المؤسسة الأممية؟!