في الثامن من ديسمبر/ كانون أول 1987 إرتكب مستعمر إسرائيلي يقود شاحنة كبيرة جريمة وحشية حينما قتل أربعة شباب فلسطينيين عند معبر بيت حانون من العمال، وهم عائدون من عملهم، كان بينهم الشهيد حاتم السيسي من سكان مخيم الثورة (جباليا) شمال قطاع غزة. هذا الحادث الإجرامي والوحشي أدى لتفاعل الشعب، كل الشعب تضامنا مع الشهداء الأربعة ومع الذات الوطنية، فتنادت مكونات الإرادة الفلسطينية في أرجاء أرض فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر بالإضافة للشتات، ورسمت ملامح ثورة في الثورة، إستطاعت من إعادة الإعتبار للثورة ومنظمة التحرير، ونهضت بالذات الوطنية، التي شاء المستعمرون الصهاينة وحلفائهم في أميركا وبلاد العرب طمسها وتصفيتها. كانت المؤشرات بدأت باجتياح العام يونيو / حزيران 1982 للبنان وعاصمته بيروت العربية بعد قتال بطولي خاضه أبطال الثورة الفلسطينية والقوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية طيلة 88 يوما، هزموا من خلال صمودهم مشروع بيغن وشارون وحلفائهم الإنعزاليين في لبنان ومن تواطأ معهم من العرب الرسميين؛ ثم جاءت معركة مايو/ أيار 1983 حيث شاء النظامان السوري والليبي (حافظ الأسد ومعمر القذافي) تمزيق وحدة حركة فتح بالإعتماد على المنشقين من الحركة بقيادة ابو صالح وابو خالد العملة وابو موسى وبدأت باغتيال الشهيد القائد سعد صايل مباشرة بعد الخروج من بيروت الجريحة في اول أيام عيد الأضحى المبارك ال28 من ايلول، وبعد إفتضاح مجزرة صبرا وشاتيلا 16و17 ايلول 19882، ثم معركة البقاع وطرابلس للإنقضاض على القرار الوطني المستقل ، وتلا ذلك فتح النظام السوري معركة مخيمات بيروت، التي خاضتها حركة "أمل" اللبنانية 1985/1987 بالوكالة عن الاسد الأب. ثم جاء موعد الحصاد السياسي لسلسلة العمليات التدميرية آنفة الذكر في القمة العربية نوفمبر/ تشرين ثاني 1987، التي كاد بيانها الحتامي ان يتغافل عن ذكر قضية العرب المركزية لولا تدخل الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، رحمة الله عليه.

كانت الإنتفاضة الكبرى او كما اسميها الثورة في الثورة محطة غاية بالأهمية للنهوض وتحدي المؤامرة متعددة الرؤوس، لانه لولا إنطلاق شرارتها وتعاظم نيران شعلتها وشموليتها للإرض الفلسطينية لأمكن لكل المتربصين بالثورة والمنظمة الإنقضاض عليها بعد خروجها من لبنان وتوزع قواتها وقياداتها على العديد من البلدان العربية. ليس الهدف من إستحضار المحطات المذكورة آنفا لمجرد التذكير بها، لاسيما وان هناك أجيال جديدة لم تعش ذلك التاريخ المرير والعظيم في آن، وانما لإستلهام دروسها وعبرها السياسية والوطنية. حيث تشهد القضية الفلسطينية هجوما وتحديا عاصفا من قبل دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، تستهدف من خلاله التصفية الكلية للقضية الفلسطينية وخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 عبر تبييض البؤر الإستعمارية ومضاعفة البناء في المستعمرات والقضم المتدحرج للأرض الفلسطينية من خلال المصادرة والتهويد وفرض القوانين الإستعمارية لخنق القضية والحقوق الوطنية بشكل نهائي. وبالتالي الدرس الأهم، الذي يفترض ان تستلهمه القيادة، هو العمل بكل الوسائل للنهوض بالذات الوطنية، وقلب الطاولة على رأس إسرائيل وأميركا وكل من يتواطأ معهما، عبر سلسلة من الإجراءات الوطنية، ودون إنتظار الفرج لا من الأشقاء ولا من الأصدقاء ولا من غيرهم. فالذات الفلسطينية، هي المؤهلة لحمل راية خلط الأوراق وتغيير قواعد اللعبة السياسية القائمة. ولعل ما تضمنه خطاب الرئيس عباس بشأن "سحب الإعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل" واحدة من الخطوات الهامة، وايضا تجديد شرعية قيادة منظمة التحرير الفللسطينية عبر عقد المجلس الوطني وفي اقرب وقت ممكن قبل الربيع القادم، ثم تصعيد المقاومة الشعبية بشكل حقيقي ومنهجي ووضع الإمكانيات الوطنية كلها تحت تصرفها، تشكل خطوة هامة؛ بالإضافة لإشتقاق ما يراه المجلس الوطني القادم من خطوات هامة لوقف التمدد السرطاني الإستعماري في اراضي الدولة الفلسطينية. لم يعد ممكنا الصمت على جرائم إسرائيل ومن يقف معها، ولا بد من خطوات عملية شجاعة للرد عليها وعلى المستويات كلها.