في مثل هذا اليوم اشتعلت شرارة انتفاضة الحجارة الأولى في وجه الاحتلال الصهيوني المسخ؛ في كل الأرض المحتلة، من مخيم الثورة بغزة مخيم جباليا اشتعلت الشرارة قبل تسعةٍ وعِشُرون عامًا مضت على انتفاضة الحجارة الأولى، ذلك الماضي المجيد التليد الذي سجله التاريخ بأحرف من نور وعُمدِ بدماء الشهداء، والجرحى والأسرى، فكانت تلك الانتفاضة المباركة طاهرةً عفيفةً، ويومها كنا صغارًا وأشبالاً ووقودًا وشُعلة لهابةً وضاءةً لتلك الانتفاضة والتي انطلقت شرارتها الأولى من مخيم جباليا في قطاع غزة؛ وذلك حينما دهس سائق شاحنة إسرائيلية يقودها مستوطن يهُودي مُجرم على الشارع العام لطريق مدينة أسدود المحتلة في أرضنا المحتلة عام 1948م، فكانت مجموعة من العمال فلسطينيون من سكان مخيم جباليا؛ حيث كانت سيارتهم متوقفة في محطة للتزود بالوقود، مما أودى باستشهاد أربعة أشخاص وجرح آخرين وقد اكتفت الإذاعة العبرية آنذاك بإعلان الخبر دون أن تركز عليه لأنه كان عبارة عن حادث يشبه العديد من الحوادث المماثلة وقد أُشيع آنذاك أن هذا الحادث كان عملية انتقام من قبل والد أحد الإسرائيليين تم طعنه قبل يومين حتى الموت بينما كان يتسوق في غزة، فاعتبر الفلسطينيون أن الحادث هو عملية قتل متعمد؛ وفي اليوم التالي الموافق التاسع من ديسمبر وخلال تشيع جنازة الشهداء اندلعت مواجهات عفوية قامت الحشود خلاله بإلقاء الحجارة على موقع للجيش الإسرائيلي بجباليا، فقام جنود الاحتلال بإطلاق النار دون أن يؤثر ذلك على الحشود، والذين أمطرُوا الجنود الصهاينة بوابل من الحجارة والمولوتوف، طلب الجيش الإسرائيلي الدعم، وهو ما شكل أول شرارة للانتفاضة. ولكن هذه الحادثة كانت مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير، وارتقي أول شهيد في مخيم جباليا بعد شهداء حادثة المقطور هو الشهيد البطل حاتم السيسي؛ لتمتد المواجهات الى مخيم البطولة مخيم الشاطئ ليرتقي أول شهيد في المخيم وهو الشهيد البطل رائد شحادة بعد شهيد جباليا وشهداء الدهس من قبل الاحتلال في اسدود؛ ومن ثم يسقط الشهيد الثالث في حي الشيخ رضوان بغزة وهو الشهيد البطل: إبراهيم أبو نحل، والذي قام بقتل جنديين من الجنود الصهاينة بسكين قبل أن يرتقي شهيدًا، لتواصل بعدها وتمتد شعلة الانتفاضة المباركة للضفة الغربية والقدس المحتل المحُتلتين.
انتفاضة الحجارة الأولى تواصلت وقويت شوكتها بسبب وحدة الموقف والصف؛ فكانت هبة شعبية وطنية بامتياز لم يكن يتوقعها لا العدو ولا الصديق، وقدر حصيلة الشهداء الفلسطينيين الذين قضوا على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلية أثناء انتفاضة الحجارة بحوالي 1,162 شهيد، بينهم حوالي 241 طفلا، ونحو 100 ألف جريح ومصاب، فضلاً عن تدمير ونسف 1,228 منزلاً، واقتلاع 150 ألف شجرة من الحقول والمزارع الفلسطينية، أما من قوات الاحتلال الإسرائيلي فقتل 160، وتم اعتقال ما يقارب من 60,000 أسير فلسطيني من القدس والضفة والقطاع وعرب الداخل بالإضافة للأسرى العرب. لاستيعاب هذا العدد الهائل من الأسرى اضطرت إسرائيل إلى افتتاح سجون، مثل سجن (كتسيعوت 2) في صحراء النقب والذي افتتح في عام 1988م، وكنا ضمن المصابين برصاص الاحتلال الحي في تلك الانتفاضة المباركة وكنا من ضمن قوافل المعتقلين في ذلك المعتقل الصحراوي السيء الذكر؛ ولقد حققت الانتفاضة الأولى نتائج سياسية غير مسبوقة، إذ تم الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني عبر الاعتراف الإسرائيلي الأميركي بسكان الضفة والقدس والقطاع على أنهم جزء من الشعب الفلسطيني وليسوا أردنيين، وأدركت إسرائيل أن للاحتلال تأثير سلبي على المجتمع الفلسطيني كما أن القيادة العسكرية أعلنت عن عدم وجود حل عسكري للصراع مع الفلسطينيين، مما يعني ضرورة البحث عن حل سياسي بالرغم الرفض الذي أبداه رئيس الوزراء دولة الاحتلال المجرم إسحق شامير والذي بدأ يبحث عن أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين. فجاء مؤتمر السلام في مدريد عام 1992م والذي شكل بداية لمفاوضات السلام الثنائية بين إسرائيل والدول العربية وتم التشاور مع الفلسطينيين حول حكم ذاتي. وتم اجراء بعد ذلك عدد من المفاوضات غير العلنية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في النرويج عام 1993م والتي ادت إلى التوصل لاتفاق أوسلو الذي أدى إلى انسحاب إسرائيلي تدريجي من المدن الفلسطينية، بدأً بغزة وأريحا أولاً، عام 1994، على أن تقوم دولة فلسطينية بعد خمس سنوات من الاتفاق من خلال المفاوضات للحل النهائي؛ وطبعًا الاحتلال كعادته ضرب كافة الاتفاقيات بعرض الحائط وزاد عدد المستوطنين في الضفة الغربية أضعاف مضاعفة عما كان عددهم قبل أوسوا، وأحاط الضفة الغربية بجدار العزل العنصري وحاول تهويد وتقسيم وهدم المسجد الأقصى المبارك؛ وتنكر لكل الاتفاقات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية، وحاول مرارًا وتكراراً اللعب بالنار عبر محاولة تقسيم القدس زمانيًا ومكانيًا وزاد المغتصبين المستوطنين من جرائمهم البشعة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وحرقوا الأخضر واليابس والأحياء، فما أشبه الأمس باليوم؛ فما كان من شعبنا البطل إلا أن يهب بانتفاضة ثالثة بعد انتفاضتي الحجارة والأقصى، بانتفاضة القدس بالمقلاع والحجر والسكين، والدهس؛ فكانت هذه الهبة والانتفاضة شبيهة بصورة متقاربة ومماثلة وشبيهة جدًا بانتفاضة الحجارة المباركة عام 1987م، لتقول لهذا المحتل الغاصب الجبان أننا أصحاب حق وطلاب كرامة وحرية واستقلال وسنستمر في الدفاع عن أرضنا وعرضنا وحريتنا مهما بلغت التضحيات والصعاب ومهما سقطت قوافل من الشهداء والأسري والجرحى تتلوهم قوافل وقناطير مقنطرة من الراحلون إلى العلياء، ومن الذين لايزالون ينتظرون نحبهم؛؛؛ فما أعظمك يا شعب فلسطين وما أعظم المرأة الفلسطينية الماجدة، التي تودع ابنها شهيدًا عريسًا تزُفه بالزغاريد إلي جنات النعيم؛ فمثل هذا الشعب ومثل هذه الأم؛ هي أُمةّ بذاتها و لابد أن ننتصر مهما طال الزمن ومهما طال ليل الاحتلال أم قصر؛ سيهُزم الاحتلال الصهيوني وسيولون الدُبر، والانتفاضة ماضية؛ وما ينتظرهم أدهي وأّمرّ؛ وسيندحرون إلى غير رجعة، وأننا حتمًا لمنتصرون؛ يرونها بعيدة ونراها قريبة وإننا لصادقون،؛ قال تعالي: "إنا لننصرُ رسلنا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد"؛ المجد والخلود للشهداء الأبرار والحرية للأسري والشفاء العاجل للجرحى ورحم الله كوكبة الشهداء المتواصلة على ثري الوطن الجريح، والانتفاضة مُستمرة ومتصاعدة ومتدحرجة حتي النصر والتحرير والصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف.