في الحلقات السابقة في مضامين التعبئة الداخلية في تنظيم أو جماعة (الاخوان المسلمين) وفصيل "حماس" الفلسطيني التابع للجماعة، تحدثنا عن المظلومية ولعب دور الضحية، ثم تحدثنا عن فكر المؤامرة عليهم مع إنكار الآخر، ثم في الحلقة الثالثة من الحلقات العشر تحدثنا عن القداسة والولاء، وفي الرابعة من 10 حلقات تحدثنا عن الحصرية مقابل الإقصاء (مدرسة الفسطاطين)، وفي الحلقة الخامسة كانت عن التقية والباطنية والتبرير اما في الحلقة السادسة فتحدثنا عن الخلط المتعمد بين العقدي-الدعوي وبين السياسي الحزبي أما بالحلقة السابعة هذه فسنتحدث عن السمع والطاعة أو كما شبه التلمساني علاقته بحسن البنا (كالميت بين يدي المغسل) كما يلي:

بين الانضباط والطاعة العمياء

ان الانتماء والانضباط والالتزام قيم ضرورية في أي تنظيم سياسي أو ديني أومجتمعي، إذ أن الاقتناع والإيمان بفكرة يرتّب على المقتنع بها أن ينشرها وينظّر لها ويدافع عنها، ويلتزم بمجموعة من التعليمات والأوامر وبالسلسلة القيادية، ولكن في المقابل فإن أبواب التنظيمات مفتوحة بين الأعضاء والقيادة ضمن آليات التفاعل الديمقراطي والاجتماعات والمؤتمرات والاتصالات ما يتم النص عليه بالحقوق والواجبات في دساتيرها ولوائحها التي تعطي حق التساؤل والاستفسار والنقد والاقتراح والمراجعة والمشاركة بالقرار برحابة وسلاسة ما يختلف كليا عن الطاعة المطلقة والسمع الأعمى.

لقد تأثر حسن البنا بمعلمه أو شيخه في الطريقة الصوفية الحصافية فجعل من التصوف أساسا في الاخوان المسلمين حيث اعتبر (الصوفية) تمثل البند الثالث من 8 بنود جاءت ضمن ما أسماه (فكرة الإخوان المسلمين تضم كل المعاني الإصلاحية) حيث جاء في البند 3 ويمثل الاخوان "حقيقة صوفية: لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير".

وجاء قَسَم "الاخوان" ليعبر عن فكر تسلطي عليائي، أو على الأقل تمييزي، فيه من الترفع عن الآخرين ما يقرّبه من التيارات الباطنية في التاريخ الإسلامي أو التنظيمات السرية في العالم ، وبرز الجهاز السري أو الجهاز الخاص في الاخوان المسلمين ليؤكد ذلك.

الميت بين يدي المغسل

مصطلح الطاعة على شاكلة (الميت بين يدي المغسل) متداول في تنظيم "الإخوان" دلالة على الثقة المطلقة اتباعا (للبيعة) حيث أن (من مات وليس برقبته بيعة مات ميتة جاهلية) ومن هنا كانت بيعة مرشد الإخوان وبالتالي طاعته أخطأ أم أصاب واجبة، فهي للعضو في (المنشط والمكره).(1)

إن (الميت بين يدي المغسل) هو المُريد حينما يلتزم بشيخ الطريقة الصوفية التي تسعى لتهذيب النفس بأسلوب محدد والتي أثرت في المدرّس حسن البنا فنقلها لتصبح ممجّدة حتى في الشأن العام والشأن السياسي، وفي هذا شطط عن مفهومها الصوفي المحدود.

السمع والطاعة بطريقة احتفالية، وكسيف بيد القائد على الأتباع أصبحت من سمات الالتزام في تنظيم الاخوان و"حماس" منذ دهر،(وفي التنظيمات الاسلاموية عامة) وبشكل مبالغ به خاصة مع تعملق الفلسفة القطبية في التنظيم ، لكنها اليوم في ظل متغيرات الاتصالات وتدفق المعلومات في عصر المعلوماتيه والتنور تأثرت وضعفت، وفي ظل انتشار الرائيات (التلفزات) والشابكة (الانترنت) التي تنقل وتضخ وتقدم من المعلومات ما لا يتفق بالضرورة مع ما يبتغيه الفكرانيون (المؤدلجون) من الناس قد تجعل من منطق الميت بين يدي المغسل وهماً وسرابا. (2)

حسن البنا لا يخطيْ

يقول الإخواني السابق سامح عيد في لقاء له نشرته صحيفة آفاق في 1/8/2013 عن السمع والطاعة ورفض أي اعتراض بالمقابل أو النقد والمراجعة أنه (في أحد التحقيقات قال أحد المحققين معى-من الاخوان- إنه ليس من الأدب أن تقول إن الإمام البنا أخطأ، فحدثتهم عن المراجعة وكيف كان صحابة الرسول يراجعونه في أمور كثيرة واستعرضت بعض المواقف من السيرة النبوية، وعندما حاولت الرد بموقف سيدنا موسى من الخضر وعدم استسلامه وطاعته للأوامر، وكيف أنه كان متمردا على عالم مرسل إليه من رب العالمين، وأن الشيخ الشعراوى قال عنه التمرد الإيجابي، فرد المحقق بأن سيدنا موسى أخطأ يا أخي، ولم يحاول أن يراجعه أحد من الإخوة الموجودين، وإنه إذا كان سيدنا موسى أخطأ فليس من الأدب أن تقول حسن البنا أخطأ. فاليقين المطلق فى الجماعة عنصر أساسى وقد حدث ذات مرة أن قال أخ لنا «نحن فى طريق نظن أنه هو الحق»، وعندها انتفض أحد القيادات الوسطى قائلا له: «حتروح لربنا تقوله أظن، وأنك كنت بتجرب؟ نحن على يقين بأننا على حق»، وبسبب ذلك كان سيتم فصله.)

منهج انقلابي يؤدي للعزلة

إن مفهوم بناء وتكريس السمع والطاعة المطلقة يعني أن "نفهم" كما يفهم المؤسس (فهذا المنهج كله من الاسلام) كما يقول حسن البنا عن دعوة الاخوان المسلمين، وعلى الاخواني أن "يفهم" الاسلام وفق ما يفهمونها ضمن ما أسماها الأصول العشرين، ولتكريس الإلزام يقتضي الإجبار على النهل من منبع محدد ويمنع منعا باتا الخروج عليه، بمعنى أنه يتم قولبة فكر المريد أو العضو باتجاه يجعل التزامه مطلقا، لذا كان لا بد من (منهج) محدد وكتب محددة –عمليا تصبح مقدسة-هي المفروض قراءتها دون غيرها، وتدارسها في جلسات الأسر الاخوانية.

عن ذلك يبلغنا القيادي الاخواني الفلسطيني د.عدنان مسودي (3) قائلا عن منهاج سيد قطب الذي فُرض عليهم في الستينات من القرن العشرين في كتابه "الي المواجههّ" ان المنهاج الجديد للتدريس في الأسر الاخوانيه قد وفد اليهم عبر طالب هندسه سوري دخل السجن في مصر، ولما عاد الى سوريا كان قد سرب المنهج ليتم اعتماده في الشام حيث كان يدرس مسودي.

وعن هذا المنهج الذي حمله معه لاحقا الي الخليل في فلسطين يقول بكتابه ص ٥٢ (كان ينشيء عند الأخ شعورا بالعزله آو شعورا بالابتعاد عن ما حوله من المسلمين، وان كانوا يصلون ويصومون ويزكون، واذا لم يكونوا منتظمين فهم ليسوا معنا، ومن ليس معنا فهو ضدنا الي ان يلتزم معنا)، مضيفا ان المنهج استند لكتاب سيد قطب معالم في الطريق والظلال، وجاهليه القرن العشرين لمحمد قطب والمصطلحات الاربعه للهندي أبوالاعلي المودودي، ويضيف أن المنهاج كان قويا ومؤثرا جدا الي الدرجه (اني عندما تخرجت من جامعه دمشق كنت أحمل أفكاره بطريقه لافته إذ قلب المنهاج أفكارنا وغيّر نفوسنا وصلح أن يطلق علينا اسم القطبيين) وعلي ما يبدو ان هذا المنهج قد نشأ مع تغير القيادات التي تحكم التنظيم في مصر بالستينيات ، ووصل لاحقا الي الشام، واعتقد ان غزه قد وصلها واعتمدته (انظر ما يقوله محمد نظمي نصار القيادي السابق في الجناح العسكري لفصيل حماس، ود.خضر محجز القيادي الاخواني السابق، وعماد الفالوجي عضو المكتب السياسي السابق من غزه ما لا يختلف مع ذلك ابدا)، (4) فيما قام د.مسودي بنشر هذا المنهاج وكما يذكر في كتابه من ص ٧١ تحت عنوان (الانقلاب القطبي-١٩٧٠-١٩٧٦) وعنوان آخر جانبي هو (سيد قطب في الخليل)

بين السياسي والعسكري

ان السمع والطاعة يبرز بوضوح –ما هو منطقي- في العمل السري سواء في التنظيمات الدينية أوالفكرانية أو الثورية أو العسكرية عموما، ولدى "حماس" تنظيمها السري ممثلا ب(كتائب الشهيد عزالدين القسام) النظيرة لكتائب شهداء الأقصى في حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح ومثيلاتها في الفصائل الفلسطينية الاخرى، ولكنها كفصيل سياسي من المفترض أن يتبع قيما اتصالية مختلفة لكنها تتبع نفس الأسس بالطاعة المطلقة مع إغفال المساحات الواسعة للديمقراطية داخل التنظيم كما هو شأن غالب التنظيمات الاسلاموية، و"حماس" كفصيل مقاوم واخواني فان "كتائب القسام" فيه تأخذ بكل مسارات العمل السري لدى الاخوان، حيث تتجلى الطاعة العمياء والولاء كما هي في التنظيم الخاص-السري في "الاخوان المسلمين" الذي يذكر كثيرا في أدبيات الاخوان عامة، ولدى كل الخارجين من الجماعة بكثير من التوجس والاتهام والرفض.

الحواشي:

(1) يقول ثروت الخرباوي-الاخواني سابقا- في كتابه الشهير(سر المعبد) عن الطاعة العمياء والعبودية في الاخوان (كان فى ظنى أن التنظيم ماهو الا وسيلة لتوجية طاقات الفرد الابداعية وتنميتها فاذا بة وسيلة لتكبيل الفرد فى سلسلة بشرية طوية أشبة ما تكون بسلسلة العبيد التى كان يصفد فيها العبيد الى امريكا .. الفارق ان " كونتا كنتى الاسير الفريقى المسكين الذى كان يتم اسرة قسرا وغصبا ليدخل فى سلسلة المستعبدين كان لا ينفك عن التمرد على العبودية الى ان يستنيم لها مجبرا .. ولكنة يظل أبد الابدين مستعبد الجسد طليق الروح والنفس ثم تخرج من صلبة بعد ذلك أجيال لا تعرف الا العبودية فتظنها الحياة وحينها تكون هذة الأجيال هى اعدى أعداء الحرية ويكون السجان هو سيدها وقرة عينها ، أما الذى يفتح لها الأبواب المغلقة لتنطلق الى حريتها فهو العدو الذى يجب أن تقاومة.)

مضيفا (ما أعظم الحرية حين تداعب مشاعر من عاش مقيدا مكبلا ، كانت اخر أيامى فى تنظيم الاخوان المسلمين هى اسعد أيام حياتى وما يليها من أيام أدرك قلبى فيها أن تنظيم الاخوان كان سرابا يدفعنى نحو التية ، كنت قد عزمت على التخلص من تلك القيود الثقيلة التى أقعدتنى وعرقلتنى وحاولت تكبيل أفكارى – فالنفس السوية ترفض الاستبداد حتى ولو كانت قيودة من ذهب أو كانت جدرانة قد شيدت لافتات الفضيلة.)

(2) ثروت الخرباوي مع الاعلامي محمود سعد في فضائية النهار بتاريخ 13/3/2013 يشير بوضوح الى (ان الاخ يكون للمرشد كالميت بين يدى المغسل يقلبه كيف يشاء)

(3) أنظر للصفحات الشخصية للمذكورين على الفيسبوك وبامكانك مراجعة الموقع التالي أوغيره "موقع وطن 24 " الذي يكتب عن أحمد نظمي نصار تحت عنوان: أحد مؤسسي القسام يكشف الأسرار الخفية لحماس، بالاضافة لاعتذاراته العلنية عن الحقد الذي تربى عليه في الاخوان المسلمين على كل المناوئين والمخالفين.

(4) الي المواجههّ، ذكريات د.عدنان مسودي عن الاخوان المسلمين في الضفه الغربية وتآسيس حماس، تحرير بلال محمد، مركز الزيتونة للدراسات، بيروت٢٠١٣الطبعة الاولي.