خاص مجلة القدس العدد 330 ايلول 2016
بقلم: محمد سرور


رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو تحدّث عن تبدّل في النظرة العربية إلى كيانه، بصفتها حليفة له بوجه إيران. لكنه استدرك في الوقت نفسه أن لا مساوم على مستقبل "دولة اليهود الوحيدة".
هو فتح نافذة للتصويب على إيران متسلحا بعلاقات عربية- إيرانية متردية ومتصادمة في آن واحد، ومحققا ما يعتبره هدفه الأهم ألا وهو إدامة الإحتلال والإقفال على كل مسعى دولي داعم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. يوازي كلام نتنياهو كلام آخر لآفي ديختر حول كتلة غوش عتصيون الإستيطانية التي اعتبر أنها جزء من دولة إسرائيل وخارج أي حديث عن الإنسحاب منها. وفي مناسبة أخرى، ومن خلال صفته الحالية والسابقة- رئيس سابق للموساد وأحد الأذرع الهامة لرئيس الوزراء، ورئيس لجنة الأمن في الكنيست الصهيوني قال أيضًا: "ألف عين ام تبكي ولا عين أمي تدمع" والقول جاء تعليقًا على الأسلوب الإجرامي المتبع من قبل قوات الإحتلال التي لا تتردد بإطلاق النار على الشابات والشبان الفلسطينيين لمجرد الإشتباه، مع الإصرار على إدانة الشهداء الذين يسقطون... ولو لمجرد الشك بأنهم ينوون طعن أحد الجنود.
ما سبق يعني المزيد من الرسائل الواضحة والصارمة للشعب والسلطة الفلسطينية، مفادها: لا دولة فلسطينية على أرض إسرائيل الكبرى، لأن الجزء الذي يعتبره الفلسطينيون حقوقهم الوطنية الثابتة ووطنهم القومي الخاص بهم، يراه الصهاينة عمقهم الإستراتيجي وخاصرتهم الرخوة التي لا يمكن المخاطرة بالإنسحاب منها... نستطيع التأكد من ذلك من خلال مشاريع الإستيطان المتدحرجة في القدس وأغلب مناطق الضفة الغربية، ناهيك عن طرد العائلات الفلسطينية في منطقة الأغوار بحجة أنها مناطق عسكرية.
ما سبق أيضًا يعني أن إسرائيل تتمتع بحصانة الدولة الاولى في العالم- الولايات المتحدة الأميركية، بحيث تستطيع منفردة في عالمنا تحدي القوانين الدولية، والتمرّد على مسعى أو مسار يهدف إلى مطالبة إسرائيل بالإنسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
 الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة: "ليكن عام 2017 عام إنهاء الإحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وإلا سوف نضطر للذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية". كلام الرئيس عباس واضح في هذا الصدد، لكن: هل يُسمح للمحكمة الدولية بمحاكمة دولة كإسرائيل؟ وهل المحكمة مستقلة إلى درجة إمكانية اتخاذ قرارت تدين دولة العنصرية والإحتلال الوحيدة في عالمنا؟
بموازاة تصريح الرئيس أبو مازن، كانت كلمات رئيس وزراء حكومة العدو واضحة تجاه عدم المساومة على مستقبل كيانه، أي أنه وبطريقة غير مباشرة يوجه رسالته إلى الطرف الفلسطيني، بأن يكف عن مساعيه ونضالاته في قضيته وإقامة دولته المستقلة. وحين يتكلم نتنياهو عن الدولة اليهودية الوحيدة في العالم، فإنه لا يبدو أنه يرى الفلسطينيين كشعبٍ أو كقضية، وبالتالي سوف نجد أنفسنا أمام قفزات كبرى ونوعية صهيونية في هذا الصدد تتصل بالمصير العام للقضية والشعب معًا. أي أننا امام تحدٍ خطير علينا الإستعداد له ووضع ما يناسب من خطط للمرحلة القادمة.
سياسة دموية وقمعية بلا حدود من جهة، واستيطان تام لكل ما تبقى من أراض تخص الدولة الفلسطينية... هي سادية بكل المعاني والمقاييس. ما العمل؟
هل في ذهن القادة الصهاينة مسألة ثنائية القومية، مهما حاولوا تجاهل الوجود الفلسطيني الذي يشاركهم الوجود فوق الأرض الواحدة؟ ماذا تسمى الدولة اليهودية والواقع على هذا النحو؟ هل يعتبر القادة الصهاينة ان حسم مصير الوجود الفلسطيني داخل الأراضي التي يتواجدون فوقها معًا رهن إرادتهم؟
ببساطة نكبة العام 1948 لن تتكرر، والأمر بات من ثوابت العقل والذاكرة والإيمان الراسخ لدى الكبير والصغير الفلسطيني. وأن مسألة هذا الوجود لا يمكن أن تحددها أية قوة في العالم، مهما تفوقت وتغطرست وتمادت. فما  ما الذي في ذهن القادة الصهاينة؟
 هم يعلمون أن الواقع كله، الفلسطيني والعربي والدولي، ضد المصلحة الفلسطينية. ويعلمون أيضًا، وهذا هو الأهم، أن لا إمكانية إسرائيلية بالأصل للموافقة على قيام دولة الشعب الفلسطيني، لأن الإئتلاف الحكومي والسلام الداخلي يقومان على حسم قضاياهم الخلافية على حساب الأراضي الفلسطينية. وما دامت الأمور تسير بهذا الشكل لا يوجد صهيوني واحد مستعد للمساومة على الإحتلال مقابل السلام مع الفلسطينيين والعرب، ما دامت الكلفة الداخلية للإنسحاب أكبر بكثير من كلفة الإحتلال... نستحضر رابين في هذا المقام لنؤكد على صحة مزاعمنا.
الصهاينة غير مرغمين على الإستعجال بأي من قراراتهم المصيرية، تاركين للواقع يفرض وقائعه على الأرض، وبشكل لا يمكن تغيير معالمه والعودة إلى الوراء. وما دام "زعران وغلاة الإستيطان" يشكلون المثل الأعلى لنتنياهو وحكومته كلها، وأن الأهم بنظر رئيس حكومة دولة الإحتلال تكريس مسألة قيام الدولة كأولوية تسبق أية أولوية أخرى. فالهوية الوحيدة التي يتقاطع عندها كل من يحمل المشروع الصهيوني ويهتم بيهوديته، هي الدولة. أي أن مسألة الديقراطية وعلمنة الدولة والمجتمع، باتوا من الماضي أمام هذا التحدي الذي استثمره نتنياهو ولم يزل وحتى سيبقى يستثمره حتى نفاذ أهميته. وهنا لا بد من التوضيح لأمر في غاية الأهمية: هناك تناغم تام بين حملة لواء الإستيطان والمنفذين الميدانيين له وبين نتنياهو الذي يستثمر في السياسة ما يفرضونه واقعًا على الأرض، وكل من يقول عكس ذلك: لا يعلم خبث الصهاينة ومدى تكامل مشاريعهم العملية تجاه مصلحة الكيان الصهيوني.
ولأننا نشهد على تعايش المتطرفين في الجنوب السوري وسيناء وفلسطين مع الإحتلال، تعايشًا واضحا لا شك في حقيقته، لا بد من إيقاظ حاسة التمييز والرشد لدى جماهيرنا وأبناء شعبنا، لكي ينحازوا إلى فلسطين، بصفتها قضية القضايا التي تستحق التضحية والفداء. وكل ما عدا ذلك تدنيس للعقل والدم والضمير، أيا كان الخطاب والفكر الذي ينطلق منه التطرف والتعصب الديني. كل ما عدا ذلك تخريب للدول والكيانات وهدر غير لائق للدم والمال والإمكانات التي يستفيد منها الناس.
كأن هؤلاء اجراء لدى نتنياهو ودولته المجرمة، يصوّبون على الجزء القوي من بلادنا فيدمرونه ويعيثون فيه قتلا وتدميرا وإساءة للحياة الإنسانية بكل أبعادها.
التعصب الحقيقي يكون لفلسطين، ومن اجل فلسطين المغتصبة والأسيرة بيد جماعةٍ لا يرحم احتلالها حجرا أو بشرًا. هي تحتاج جهودنا جميعًا من أجل نصرتها والكفاح لأجل استعادتها من مغتصبيها.
أكثر ما يحتاجه شعبنا الوحدة الوطنية، والإقلاع عن الصراع الداخلي الذي لا يحصد إلا الخسران، ولا ينتج إلا المزيد من الضعف والوهن في جسدنا الوطني الفلسطيني والعربي.
دون أمة معافاة وسليمة، نبقى أسرى المشروع الإستعماري الصهيوني، ودون أمة معادية للصهيونية، عداء جذري مبني على الإنتماء إلى قيم العدالة والتحرر الوطني والإنساني نبقى كالأيتام على مآدب اللئام.
العرب مدعوون الآن وبشكل واضح إلى تكذيب ادعاءات نتنياهو بالفعل وليس بالكلام الهامشي الخجول. على العرب واجب تأكيد صلتهم التي لا شك في صدقيتها بقضية شعب فلسطين، ضحية الأمة والإنسانية جمعاء. وبذات الوقت العرب مطالبون بعدم استغلالهم مرحلة سوداء من العلاقات مع إيران للإتصال والتطبيع مع حكومة العدو المجرمة.
إن العداء مع دولة إسلامية وجارة لا يمكن أن يتحوّل إلى أولوية على حساب الصراع من أجل فلسطين وحرية شعبها. ومن يحاول ان يسوّق أو يبرّر تلك العلاقات، أيا كانت الأسباب فهو شريك في خذلان الشعب الفلسطيني، ويستحق الإدانة الكاملة. وليكف أيضا البعض العربي الذي يمرر بأساليب ملتوية مسألة إشراف العدو المباشر على الأموال التي تنقل إلى حماس. هذا البعض العربي الذي تهمه غزة كثيرًا باسمها يتواصل مع العدو، وباسم شعبها: يده ممدودة إلى قيادة حماس فقط.
يلزمنا ضمير واضح ومسؤول يضع الأمور في نصابها، وكفانا دجلا ومتاجرة من هنا وهناك. فلسطين تحتاج إلى الأفعال المفيدة والحميدة اكثر بكثير من الأقوال... العابرة للعقل.