خاص مجلة القدس العدد 330 ايلول 2016
بقلم: ماهر حسين

منذ نكبة فلسطين عام 1948 وشعبنا عرضةلارهاب ممهنج من خلال  الاقتلاع من الارض والنفي والهجرة والنزوح والإعتقال ناهيك عن التعرض للعديد من المجازر والمذابح التي لا تزال اصداؤها حيّة الى يومنا هذا.
ان الحديث عما رافق ضياع فلسطين من معاناة واحداث يحتاج الى كتب ومجلدات لاختصار كل هذا الوجع..لكني اليوم سأكتفي بالتحدث عن مجزرة لا تنسى،مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان، وقد واكبت الذكرى هذا العام حملة أطلق عليها "كي لا ننسى" .
كي لا ننسى ..
فلنتذكر اولاً بأن شهداءنا من كل الأعمار كانوا بشراً.. كانوا أناساً لهم أسماء وأعمار،لهم أقارب.. لهم عائلات ووطنٌ أصلي..
كي لا ننسى ..
علينا تذكر الشهداء وأهاليهم وأبناءهم.. أن نروي قصصهم وما نحمله من ذكريات منهم وعنهم...
كي لا ننسى..
علينا الا نتحدث عن أرقام فالأرقام مجردة لا مشاعر فيها ولا انتماء او  وطنية والارقام لعنة تطارد الفلسطيني منذ الاحتلال الاول حتى يومنا هذا، من ارض الوطن الى دول الشتات.
كل قطرة دم سالت في صبرا وشاتيلا تختصر قصةًوحكايةً من الكفاح والوجع والصمود  يجب أن تكتب وتروى.
كي لا ننسى..
واجبنا أن نعيد المشاهدة كل عام.. وان نتذكر كل لحظة رعب عاشها ابناء مخيمنا.
على هذا الألم أن يكون جماعياً كي يتعزز الشعور الفلسطيني الواحد في كل مكان، بحيث إذا ما سالت دماء في غزة على الضفة أن تحزن وعلى المخيمات ان تتضامن وعلى الجاليات في المهجر ان تتفاعل ..
فنحن شعب واحد وإن فرقته الجغرافيا وقسمته السياسة بقي ان نحافظ على شعورناالواحد وذاكرتناالجماعية المشتركة .
فالمجزرة هي جرحنا الفلسطيني المستمر منذ الازل وإنما صبرا وشاتيلا نموذج عنها فقط.
فلا يجب على (حماس) القول مثلاً ان لا علاقة لنا بصبرا وشاتيلا فنحن لم نكن في ذلك الوقت... نعم لم تكن (حماس) في ذلك الوقت ولم يكن لها أي دور نضالي كذلك في إنطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965 الى حين الإنتفاضة الأولى الكبرى عام 1987 ولكن هذا لا يعني بأن صبرا وشاتيلا ليست من شأن حماس،على صبرا وشاتيلا أن تبقى في الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني كي نكرس وجودناكشعب واحد وتتلاشى امكانيات التفرقة ونحقق ما نريد من وحدة وإتحاد وعندها فقط لن ننسى.
كي لا ننسى.
علينا الا نفكر في جنسية القاتل ودينه أو حتى هويته... فالقاتل في صبرا وشاتيلا غير منتمٍ لجنسية او دين... هو فقط قاتل ومجرم.. مع كل ما يرافق الاجرام من سقوط انساني وغدر بكل الأخلاق والأعراف... وعندما نتذكر يجب أن نتذكر بأن القاتل لم يجد له غطاءً أخلاقياً لا في وطنِ ولا في دين.
إني من المؤمنين بأن ما حصل لا يمكن أن يخرج عن كونه فعلاً حيوانياً قامت به مجموعة من المجرمين مستغلّةً خروج الرجـــال من مواقعهم لتنصرف الى الذبح والتنكيل بالأطفال والنساء وجثث من الشهداء.
علينا الا نكتفي بالعار والخزي المرافق للقتلة.. انما ملاحقتهم في كل المحافل الدولية لان الاحتكام للقانون الدولي هو الحامي الوحيد لمستقبل ابنائنا المنسيين في مخيمات الشتات.
كي لا ننسى ليست تهديداً بقدر ما هي قسمٌ للتذكر دائماً .. نتذكر معاًلنتعلم بأن ثقتنا بالآخر يجب أن تكون مبنية على قوتنا في تلك اللحظة، لنتعلم بأن ثقتنا بالآخر يجب أن تكون مقرونةً باتفاق و شهود وبنود .
كي لا ننسى..
علينا أن نتعلم كيف نحمي شعبناو نجنبه المزيد من المجازر..علينا أن نتعلم كيف نحصن شعبنا من النكبات والمجازر وكيف  نستخدم كل الطرق والوسائل لحمايته وتحقيق أهدافه بالقانون والحكمة والسياسة المحمية بالقوة للدفاع عن النفس وبكل الطرق المشروعة .
لا يمكن استغلال دماء أبناء شعبنا ثمناً لموقف سياسي رخيص على طريقة الأخوة في حمـــاس الذين اخذوا غزة رهينة لتحقيق طموحهم السياسي.
هكذا تصرفات لا تجوز ولا يمكن أن تستمر امام عظمة ما قدمه شعبنافقد حان الوقت لنتعلم من الدرس.
كي لا ننسى ليست تهديداًإنما احياءٌللذاكرة الفلسطينية الجماعية المتخطية حدود الجغرافيا. هي درس وجب علينا عدم نسيانه، وكذلك هي حقنا الطبيعي  بمطاردة الجناة بموجب القانون في كل الدول والمواقع. على كل من تورط في هذا الفعل البائس يجب أن يُقدّم للمحاكمةوان يدفع الثمن حتى يتعلم القتلة بأن جريمتهم لن تمر.
ان ذكرى المجزرة ليست إحتفالاً وإنما درس وعبرة وتجربة تفرض علينا إعادة النظر في واقع ابناء شعبنا الفلسطيني في لبنان مع ما يرافقه من حاجة ماسة وملحة لتغيير هذه الأوضاع مع مراعاة كوننا ضيوفاً في بلد عربي شقيق حتى تحقيق الحلم الفلسطيني والعربي بإقامة دولة فلسطين وتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة كما نرجو .