بقاء السلطة الوطنية من عدمه عنوان لم يغب عن تحليلات وقراءات اصحاب رأي وقيادات سياسية فلسطينية وعربية واممية وبالطبع إسرائيلية. وما زال هذا الموضوع مثار جدل ونقاش. وآخر من تحدث عن غياب السلطة خلال عام او اثنين، وزير استيعاب المهاجرين الاسرائيلي، زئيف ألكين. وربط الليكودي بين انهيار السلطة وانتهاء عهد الرئيس محمود عباس.

مما لا شك فيه، ان الحديث الاسرائيلي عن انهيار السلطة، يحمل دلالة سياسية بالغة الاهمية. ويعكس بشكل جلي الآتي: اولا ان إسرائيل لم تعد معنية ببقاء السلطة الوطنية، وتعمل بدأب على تقويض مكانتها ودورها. ومن يتابع السياسات الاسرائيلية المتبعة في السنوات الاخيرة، يلحظ المزيد من مصادرة وتهويد الاراضي، وإعلان العطاءات للبناء في المستعمرات المقامة، وتشريع البؤر الاستعمارية، وسن قوانين استباحة الدم الفلسطيني، الهدم ونسف البيوت والعقارات وبركسات البدو، مضاعفة الحواجز وخنق حرية المواطنين، الاعدامات الميدانية دون وجه حق ضد الاطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين، تهميش مكانة السلطة يوميا عبر القضم التدريجي لسلطاتها الادارية والاقتصادية والاجتماعية.. إلخ؛ ثانيا رفض خيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ووضع العراقيل المتواصلة أمام اي مبادرة يمكن ان تفتح بوابة الامل؛ ثالثا تراجع الجهد الدولي الرسمي في دعم العملية السياسية في المنطقة باستثناء الجهد الفرنسي، الذي من المبكر الاستنتاج بما سيؤول اليه في قادم الايام، لا سيما وان إسرائيل ومن خلفها اميركا، ليستا مع التوجه الفرنسي؛ رابعا دفع إسرائيل وغيرها من دول الاقليم بتعزيز خيار الامارة في محافظات الجنوب الفلسطينية، وهو ما يعني الاصرار على خيار تبديد وتصفية المشروع الوطني الفلسطيني.

في ضوء ما تقدم، فإن التنبؤ آنف الذكر، لم يأت من فراغ او انه مجرد تصريح لاحد الوزراء غير ذي شأن، لا يجوز النظر لتصريح الكين بخفة واستهتار، لان هذا التصريح جاء متناغما ومتلازما مع سلسلة الخطوات والاجراءات الاسرائيلية آنفة الذكر، التي تشير بشكل عميق إلى رغبة وإصرار حكومة نتنياهو على خنق وموت السلطة حتى قبل انتهاء عهد الرئيس ابو مازن إن استطاعت. وبالمقابل لا يكفي الرد على الجرائم والانتهاكات والخطط الاسرائيلية ومن يقف خلفها بالتأكيد فقط على اهمية السلطة كمنجز وطني يشكل جسراً لبلوغ هدف الدولة المستقلة. المطلوب وضع رؤية برنامجية للنهوض بمكانة السلطة، وتعزيز دورها على الارض خطوة خطوة؛ والدفع بعربة المصالحة الوطنية للامام، وطي صفحة الانقلاب الحمساوي؛ وتعزيز الشراكة الوطنية؛ وعدم السماح لاية قوة او دولة مهما كان اسمها وعنوانها الانتقاص من وحدانية تمثيل منظمة التحرير؛ وتعزيز حوامل الهبة الشعبية الوطنية؛ وملاحقة إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية ومجلس الامن والجمعية العامة ولجنة حقوق الانسان واليونسكو.. إلخ من المنظمات لتعميق عزلتها وفضح سياساتها؛ وعطفا على ذلك تصعيد عمليات المقاطعة لاسرائيل في بلدان العالم، وتحدي المنابر الرسمية الاوروبية والاميركية، التي تتواطأ مع دولة التطهير العرقي الاسرائيلية؛ واعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، ككقضية مركزية للعرب، وفرضها بقوة بخطاب سياسي جديد مع الاشقاء الرسميين، ومطالبتهم بوقف سياسات التطبيع المباشرة وغير المباشرة لحين التزامها بخيار التسوية السياسية.

الرد على زئيف الكين لا يكون بالاعلان عن التمسك بالسلطة الوطنية فقط. لأن الموقف المعلن لوحده لا يكفي إن لم يقترن بخطوات جدية وحازمة تنقل مشروع السلطة الوطنية إلى مراحل متقدمة للتأصيل للمشروع الوطني وخيار إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967، وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194.