على الدرب الطويل سار رجالات حركة فتح، كانوا يحملون في جعبتهم بندقية ومفتاحا ومطرة (زمزمية)، في الأداة الأولى أي البندقية فتحوا الطريق نحو بعث القضية من النسيان، فدون الكفاح المسلح والحرب الشعبية طويلة الأمد ما كان للفتح أن يكون لا سيما والنسيان والتجاهل والانكسار كان يرخي بذيوله على سماء الأمة العربية والاسلامية خاصة فترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين.
وحمل الفدائي مفتاح العودة في جيبه وما زال يحمله ولن يتخلى عنه لأن العودة ومهما طالت الأيام والسنون متحققة بالأجيال، فكما أن الأرض تعلن يوميا أنها لأصحابها العرب الفلسطينيين فإن أصحابها في الشتات يتشبثون بحزب العودة، فهي العودة التي لا محيد عنها مهما كثرت العقبات وتكاثفت الأكاذيب وأحدقت بنا المؤامرات. وحمل الفدائي في جعبته مطّارة ليملأها بالماء كلما اشتد به عطش لذلك قضى الفلسطيني حياته يبحث عن الغيمات الماطرة. 
وعن مفتاح العودة الذهبي يقول عضو اللجنة المركزية للحركة (آنذاك) خالد الحسن في المجلس الوطني الفلسطيني بدورته العشرين عام 1991 (أنا خالد الحسن، ابن حيفا، إذا فقدت حق العودة وبالتالي أملي بالعودة إلى حيفا، شو بدي فيكم "ما حاجتي بكم"، أنا والله عندي حيفا والقدس زي "مثل" بعض، لأن كل فلسطين مقدسة).
ومع مفتاح العودة كانت مفاتيح التحرير والنضال بكافة أشكاله مترافقة مع مفتاح الديمقراطية والتعددية الداخلية (فنحن عودنا أنفسنا منذ البداية على الديمقراطية، وعلى الحوار الهادف، فلم نرفع يوما سلاحا فلسطينيا في وجه فلسطينيين، ولم نقبل أن يسود منطق الغابة هذه الساحة الفلسطينية...) 
في فلسطين لا نزرع الأشجار فقط ولا النباتات بل نزرع الفداء في قلوب الرجال وعقول الأطفال لأن الوطن والقدر متماهيان، فكما كُتب علينا أن نكون من هنا فإن الوطن لا يحيا إلا فينا، ومهما كانت التضحيات فيه أو من أجله فهي استجابة القدر فينا لنداء الأرض.
في فلسطين لا نزرع الأرض فقط بل ونزرع النفوس والعقول والأرواح بالنداء والعمل والأمل الكبير لذلك فالثورة أو ثورة بساط الريح كما كان يسميها ياسر عرفات عرفت الجدب والخصب وعرفت الانتكاسات والانتصارات، وتنقلت وتجاوزت وحرثت وفي جميع أطوارها ومراحلها كانت تبحث عن الغيمات الماطرة، والأجوبة الشافية والسياسيات الواقعية أحيانا والمجنونة حينا كل ذلك فداء لفلسطين.
أدوات النضال وحاجاتنا الملحة
ظهرت الأجوبة والغيمات الماطرة في فهم للمراحل، من النضال العسكري، فالعناق بينه وبين السياسي، إلى النضال متعدد الأوجه (الاقتصادي والإعلامي والاجتماعي مع ما سبق... )، إلى النضال الجماهيري عبر الانتفاضات والهبات (انتفاضة الحجارة عام 1987-1993 ثم هبة النفق عام 1996 ثم انتفاضة الأقصى عام 2000 ثم #غضبة_القدس أو هبتها الحالية)، والمقاومة الشعبية السلمية المتواصلة اليوم بأشكالها المتعددة التي دفع في سبيلها العديد من الشهداء أرواحهم وكان فيهم البطل الشهيد زياد أبو عين عضو المجلس الثوري لحركة فتح علما بارزا.
 سارت حركة (فتح) وأصابت وأخطأت، وأفلحت وعانت كثيرا الى أن أصبحنا على أبواب العام 2016 والانطلاقة تتجاوز الأعوام الخمسين التي نحتاج فيها للحكمة ولنقد وتأمل وتفكر وتطوير وابداع، والجعبة ما زالت كما هي، ونحن بانتظار الغيث فالأرض لا يحرثها إلا أبطالها والبحث عن الأبواب المفتوحة تحتاج لأكثر بكثير من الدعاء فقط.
1-    بين التخلي والتمسك، والشجاعة
إننا مطلّون على مرحلة تحتاج لكثير تفعيل لأدوات النضال لا سيما والخراب في الساحة العربية أصبح شديدا، ما بين طعن الحِراب وتشتيت الفكر وصراع النفوذ، ولا سيما والأمم تسعى لمصالحها ونحن في أشد حالات الضيق، والنفق ما زال مظلما، وفي هذه المرحلة فإن أدوات النضال واعتصار الغيمات وامتلاك مفاتيحها يحتاج منا كفلسطينيين أكثر من أي شيء آخر لتبادلية (التخلي) و(التمسك).
 إن لم نتخلَ -وفي التخلي شجاعة- لا نستطيع أن نتحلى بشجاعة التمسّك، إذ علينا التخلي عن أنانيتنا السلطوية أو الحزبية كتنظيمات وكأفكار (مكتفية بذاتها) وكآراء ومواقف متباعدة، وأن نتخلى عن أي ارتباطات خارجية هي وهمية لنا لأنها – وبالتجربة – لا تسعى إلا لمصالحها، فلم يكن يوما للعدل والحق والضمير أن تغلب على المصالح إلا في مراحل أو حالات تاريخية محدودة، لذا فإن علينا في حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح أولا وفي الفصائل الأخرى أن (نتخلى) عن كل ذلك إن وجد فينا (لنتمسك) ويتمسك غيرنا بفكر وسجايا "الصدق والشجاعة والتناغم" مع الجماهير، فكر فلسطين فكر الوطن، فكر الأولوية لفلسطين، لا لأي فكرة وأخرى مهما بدت مقدسة أو كبيرة أو عظيمة، لأن مهمتنا التي ألقاها الله سبحانه وتعالى علينا أن نكون مرابطين في هذا البلد جميعا وليس كِسَرا وأجزاء.
يقول المفكر العربي الفتحوي خالد الحسن: إن الشعب (قد اشتاق لقيادة الصدق والشجاعة والوضوح والمصارحة والتنظيم والتعبئة والتناغم مع نبض الجماهير العربية في فلسطين، تلك الجماهير التي تسامت على كل قياداتها منذ العام 1920 حتى الآن بوحدتها الوطنية وبرفضها الوقوع في مصيدة الانشقاقات الحزبية أو التنظيمية أو القيادية...)
إن الذهاب لعقلية التمسك بالجوامع الوطنية بديلا عن القواسم، والاتكال على الله، ووحدتنا هي قصبة النجاة، وهي الغيمة الماطرة، ويقول قائل إن هذا الفصيل أو ذاك يرى ذاته أو فصيله (تنظيمه) أو فكره منزّها ربانيا مطلقا لا ياتيه الباطل من بين يديه أومن خلفه، ويرى ذلك نعم، ولكن من واجبنا رغم علمنا هذا- أن نفتح الأبواب بل ونشرعها، ونتنازل لإخوتنا ونتقدم أكثر من خطوة باتجاههم عبر الحوار المفتوح والتقبل والتفاهم والتجاور في نفس المساحة، ففلسطين والقضية أكبر منا جميعا.