في لقاء لنا مع كادرات جامعة القدس في مدينة سلفيت تجلت الحيوية والإقدام مع الرغبة في التعلم بشكل يجعل من المرء يدرك جليا معنى (الثروة) البشرية، ومعنى (تراكمية) النضال، ومعنى (الكنز) الذي يتمثل بهذا العنفوان العربي الفلسطيني الجميل والرائق والقابل للتطور.
إن الندوة التي عقدتها حول الاتصال الفعال في المؤسسة والجماعة بترتيب من الأخوة قيادة التوجيه السياسي وقيادة حركة فتح في المدينة، وقيادة الشبيبة الفتحاوية كانت عامرة بوجوه البِشر والطلاقة والأمل بالمستقبل ما جعل من الرغبة لدي هي تكرار اللقاءات بمثل هذه الطاقة الحافزة للعمل.
هم كنز، وهم ثروة نعم، والثروة والكنز يتراكمان ليصبحا مجال الإبداع والفخر وليس فقط التزيّن ما ذكرني بالملياردير (أندرو كارنيغي) الذي يعمل في شركته 43 مليونيرا فلما سئل كيف تتعامل مع موظفيك وكيف أصبحوا بهذا الثراء قال (أنا أتعامل بعقلية استخراج الذهب من المنجم، أنت تذهب للمنجم ليس للبحث عن الصخور بل للبحث عن الذهب، فأنت تزيل الأطنان من الصخور والرمال لتحصل على أونصة ذهب).
كارنيغي هذا كان منقبا جيدا في الناس، تمتع بمزايا ثلاث: شكلت طريقة إدارته واتصالاته وبالتالي نجاحاته، أولاها: أنه كان يختار الخبراء في تجارة الحديد مجاله التجاري، وفي الميزة الثانية كان يحتضن التنوع والتعدد في الفريق حيث المهارات والمسؤوليات والخبرات العملية المختلفة، أما ثالثا فإنه وكما قال كان يتعلم فيتواصل ويستمع جيدا إلى من يقودهم، فكان (يهتم) لهم وليس للآلات، ثم تركز اهتمامه لاحقا على ما يفعلون ليقيّم به أقوالهم.
إن أهمية الدرس المستفاد من "كارينغي" في مجالنا هو فكرة التنقيب عن الذهب والكنوز في البشر، وهو ما رأيته عيانا في هذا الكادر الفتحاوي الشامخ الذي اعتلى صخور المنجم في سلفيت ليظهر الألماس وليس فقط الذهب ببريقه الذي يفتن العيون.
الاتصال الفعال في المؤسسة
إن الاتصالات من حيث التعريف هي حالة يتقاطع فيها طرفان بقصد إحداث التأثير، وهي عملية تتضمن إرسال واستقبال وترميز للرسائل بصياغات مفهومة بين طرفي الإرسال وعبر وسيط لتحقيق التأثير أو الاستجابة أو إحداث الأثر ومن هنا يصبح الاتصال هو حالة الإنسان عامة الذي يقضي جل وقته (95%) في الاتصالات.
الاتصالات هي عملية تبادلية بين المتشاركين حيث يوجد المشارك الأول (فردا أو جماعة) والمشارك الثاني، يبتغون من العملية: نقل معلومات أو الإفادة أو الإفهام والإقناع والتثقيف، أو المتعة والترويح، وفي الحد الأدنى لمفهوم الاتصال تحقيق أثر ما، قد يكون إثارة الإعجاب أو التساؤل أو غير ذلك الكثير، وعليه يصبح نقل المعلومة مرتبطا بنقل المشاعر أيضا أو استجلاب استقبالها.
إن الاتصال (الفعال) هو علم وفن إحسان المشاركة كما أحب أن أعرّفه، وفي ذلك يقول الله عز وجل (قولوا للناس حُسنا) وتُقرأ ايضا (حَسَنا) بحيث يصبح الإحسان بالقول (الاتصال) هنا باتجاهين هما في الهيئة والمعنى، بالهيئة عبر اللطف واللين بالكلام (فقولا له قولا لينا)، وبالمعنى بأن يكون القول بالخير (تأمرون بالمعروف).
ما نبتغيه نحن في المؤسسة أو التنظيم السياسي أو الجماعة (الجماعة هي أي اثنين أو أكثر بينهم تفاعل اجتماعي) هو تحقيق (الفعالية) بالإجابة عن السؤال المهم: كيف لا يذهب الاتصال سدى بلا هدف أو تأثير.
ألوان الاتصالات والفضاءات
إن الاتصالات في المؤسسات تكون رأسية أي على طول الهرم التنظيمي من أعلى إلى أسفل (توجيهات وإرشادات وتزويد بالمعلومات وأوامر، واستماع... ) ومن أسفل إلى أعلى (تقارير أداء وعمل، ومحاضر اجتماعات، واستفسارات وانتقادات واقتراحات وطرح مشاريع وأفكار...).
واتصالات أفقية بين المتناظرين (لجنة ثقافية في مكان ما مع نظيرتها في مكان أو إطار آخر... ).
وفي الاتصالات نوعان بارزان هما الشفوي اللفظي (بالقول)، وفيها المدوّن الكتابي، كما في حُسن الاتصال أن يكون متضمنا أسئلة مفتوحة (كيف وماذا ومتى وأين... ) وليست أسئلة مغلقة جوابها بنعم أو لا فقط، كي يتاح للشخص المساءل أن يعبّر ويتحدث لا أن يُجر لمربع التحقيق.
في الاتصالات ألوان ثلاثة: هي الأحمر والأصفر والأخضر تماما كإشارات المرور، وأزمان الاتصال بين المتناظرين والزملاء وبينهم وبين قادتهم ثلاثة أنواع أيضا: فحيث يكون زمن الاتصال خطِرا يضيء اللون الأحمر في الوجوه، ويكون حذِرا أصفرا، ويكون متاحا مباحا ملائما أخضر اللون ما يعتمد على الحالة النفسية والاجتماعية للأشخاص والزمان والمكان والموضوع.
الفضاءات الثلاثة
يعيش الإنسان مع ذاته، ويعيش مع الآخر، وفي بيئة تتضمن ثلاثة فضاءات هي الفضاء المادي حيث الحيّزات المكانية (حيز البيت وحيز العمل وحيز الأصدقاء....) وما يقوم به فيها من تصرفات وأفعال، ويعيش أيضا في الفضاء الخيالي الذي يصنعه في عقله فيرسم ويتوقع ويتأمل ويحلم.
ويخترع ويفكر الشخص بطريقة "جانبية" إبداعية مختلفة كليا عن طريقة التفكير المنطقي العقلاني حيث المقدمات فيه تؤدي للنتائج وواحد زائد واحد يساوي اثنين، أما في التفكير الجانبي الإبداعي قد يكون محصلة جمعهما صفرا أو ألفا.
ومع الفضاء المادي–الفيزيائي، والفضاء المختلق أو المرغوب وهو الخيالي يعيش الإنسان اليوم أيضا في الفضاء الالكتروني الافتراضي- وهذا له بحث آخر- حيث تحولت الأدوات المتحكمة من الفم حيث النُطق والاتصال الشفوي، ومن الإبهام والسبابة (الكتابة بالقلم) سريعا إلى قبضة اليد (التحكم بقنوات الرائي أو التلفزة) ثم الفأرة التي تحرك المؤشر على شاشة الحاسوب عبر قبضة اليد، وصولا للنقر بالأصابع على لوحة المفاتيح ثم ما انتقلنا به إلى اللمس على شاشات الحواسيب والجوالات، وللمفاجأة يتدحرج العالم إلى الشرائح التي ستُركّب في الدماغ قريبا ليتاح لها التحكم بالحواسيب أو الآلات أو العكس، ونقل الأفكار والمشاعر (التجارب مستمرة منذ زمن في هذا الإطار وبقوة وظهرت نجاحات عديدة في تحريك الشريحة بالدماغ ليد اصطناعية أو أرجل...).
إن الاتصالات كأفقي ورأسي، وكألوان ثلاثة، وكبيئات ثلاث، ومن حيث هي (إحسان) المشاركة لتأخذ فعاليتها بين الأفراد وفي النظام السياسي، وفي المؤسسة تحتاج منا للتنقيب عن الذهب فإن لم نكن نراه فالمشكلة فينا وفي فهمنا، وفي أدوات البحث وفي عدم بذل الجهد أو الإهمال، وليس أن الكنز غير موجود أبدا.
الكنز هو فينا وهو ما رأيناه في طلبة حركة فتح وطلبة جامعة القدس عيانا في سلفيت البهجة، وهذا يحتاج منا لكثير تنبّه، ولحسن اتصالات، ولكثير وعي وكثير معالجة في ظل سيل المعلومات والأخبار الهادر الذي تصدم أمواجه المستقر فينا فتخلخله إن لم نمتلك المنهج والمرجعية الفكرية-الثقافية الواضحة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها