لا شك بأن الفاجعة التي أصابت حجاج بيت الحرام في أحد المشاعر في منى، تعتبر كارثة حقيقية ومأساة كبيرة ألمت بالحجاج، وهي ليست الأولى ونتمنى ان تكون الأخيرة، الا أنها تعتبر فاجعة مؤلمة نظراً لحجم الضحايا والجرحى الذين سقطوا نتيجة التدافع على مارة الذهاب والاياب في العشر الحرام.
وما يدمي القلب لها وما زادها ايلاماً، هو تحويلها لمادة سياسية واستغلالها لاغراض وحسابات اقليمية وصراعات متصاعدة على مسرح الشرق الاوسط. وهذا الامر بلغ ذروته في الدعوة الايرانية لانشاء هيئة للاشراف على الاماكن المقدسة. وبطريقة لا تخلو من الانتقام السياسي. خصوصاً وان الحملة التي شنتها بعض الدوائر السياسية والوسائل الاعلامية ومن خلال فبركة المعلومات والمعطيات، لتحميل السعودية مسؤولية الحادث الفاجعة من خلال الترويج بأنها كانت نتيجة مرور موكب أمني في قلب الحشود دون ان يثبت هذا الادعاء منطقياً ولا عقلانياً وان كانت هذه الوسائل التي روجت لهذا الاقتراح زعمت أنها تملك اشرطة فيديو تثبته الا انه ومن خلال الاطلاع على هذه الافلام والاشرطة التي لم تظهر الا أحد أفراد الأمن السعودي يحاول سحب أحد المارين وفي منطقة خالية نسبياً من الاكتظاظ وهي حادثة تكررت في أكثر من شريط فيديو نشر عبر الوسائل. والتي تؤكد عدم وجود ما تم الادعاء عن وجود موكب أمني كبير كما اطلق عليه.
وهذه الحقيقة أثبتها أكثر من حاج كان موجوداً ووقع ضحية هذا التدافع الذي كان سببه كما روى قيام فوج من الحجاج بالانتقال من مسرب الذهاب الى مسرب الاياب للحصول على زجاجات مياه للشرب كان أحد المتبرعين يوزعها على الحجاج، وهو ما ادى الى التدافع وحصول الكارثة الفاحعة. وهذا الأمر تتحمل مسؤوليته الهيئات الوطنية والحملات التي من المفترض ان تكون مشرفة على حجاجها وتنظيم مناسكهم لجهة الاوقات والطرقات، طبقاً وبالتنسيق مع السلطات السعودية المختصة كما تجري العادة. واذا كنا نتناول الموضوع بهذه الطريقة رغم ادراكنا بان هذه الدعوة "للاشراف على المقدسات" ليست واقعية ولا مقبولة لا دينياً ولا أخلاقياً ولا منطقياً ونحن نتذكر يوم فتح مكة ايام رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عندما وصل الى باب الكعبة ووجده مقفلاً وهو بنية ازالة الاصنام من داخلها وتحطيمها لم يقم باقتحامها بل طلب من سادنها اعطاءه المفتاح وعندما فرغ من هذا العمل اعاد المفتاح اليه وهو يقول لعن الله من نزع سدانة الكعبة من صاحبها وهي في خلفهم الى يوم القيامة وهذا الامر انطبق على بئر زمزم وخدمة بيت الله الحرام بالكامل اذ توارث السدانة والسقاية والرعاية خدام من اهل مكة وهم يتوارثونها كابراً عن كابر.
 من هنا يأتي الاستغراب حول هذه الدعوة ذات الحسابات السياسية والتي جاءت على طريقة التشفي من دول وشخصيات من المفترض ان تعي هذه الحقيقة وتدركها.
ومناسبة هذا الكلام ليس الرد على هذه الدعوة ولا ادانتها حتى لا نخوض في جدال عقيم لا يسمن ولا يغني من جوع لكن ما دفعنا الى هذا الموضوع هو ما يحصل في الارض المحتلة هذه الايام من عدوان اسرائيلي من قبل جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه ليس بحق القدس والخليل وباقي المقدسات سواء الاسلامية او المسيحية وهو عدوان مستمر ومتصاعد بوحشية كبيرة مقصودة ومبرمجة ومخطط لها ضمن الرواية السياسية والعقائدية الاسرائيلية الرامية الى تهويد هذه الاماكن وحتى ازالتها عن الوجود اذا تعذر هذا التهويد، وبالفعل تتوفر المعلومات المؤكدة بان سلطات الاحتلال الاسرائيلي تعد اكثر من سنياريو لهذا العمل الاجرامي المتمادي وهو طبقاً لما أوردته هذه المعلومات عن احتمالات تؤدي كلها ازالة المسجد الاقصى نهائياً من خلال:
1.  حفر الانفاق تحت المسجد لكي يسهل انهياره عند اي اهتزاز طبيعي او اي كارثة طبيعية متوقعة.
2. حرق المسجد الاقصى بطريقة مبرمجة ومخطط لها ليصل بعضها الى منع الاصلاحات فيه ومنع ترميمه كما يحصل حالياً عند كل حادث مشابه.
3. دفع أحد المجرمين المستوطنين بوضع عبوات ناسفة باسفله تؤدي الى تدميره والادعاء بانه مجنون ومختل عقلياً.
4. قصفه بالمدفعية أو الطيران والادعاء بان خطأ ما ارتكب وهو ما يؤدي الى نفس النتيجة.
ولهذا وانطلاقاً من المخاطر الحقيقة بالمسجد الاقصى ومسجد قبة الصخرة المباركة وهي مخاطر لن تقف عندهما بل ستطال كل المقدسات الاسلامية والمسيحية في الخليل وبيت لحم وهو ينطبق على كنيسة القيامة والمهد في مرحلة لاحقة وطبقاً للرؤيا الصهيونية التلمودية التي تسعى الى بناء ما تدعيه بالهيكل المزعوم على الرغم من عدم ثبوت وجود. في كل مدينة القدس بشطريها الشرقي والغربي، وهذه الحقيقة اثبتها كثير من علماء الآثار الدوليين والاسرائيليين أنفسهم كما جاء على لسان بعضهم خلال الايام القليلة الماضية عندما صرح عميد كلية الآثار الاسرائيلية بانه لا وجود للهيكل في القدس وان الادعاء بذلك لا يمت للواقع بصلة. وهذا الامر توصل اليه العديد من بعثات الآثار الأجنبية والتي قامت بعمليات تنقيب مكثفة وعمليات حفر وعلى مدى فترات زمنية طويلة بدأت منذ اللحظة الأولى لاحتلال القدس عام 1967 وقيام اسرائيل بضمها بطريقة غير قانونية وهي حفريات تؤكد وتنفي اي صلة لليهود والهيكل المزعوم بالقدس والاقصى وهذا التأكيد جاء على لسان كثير من البعثات الدولية بما فيها الاميركية التي صرحت على لسان احد مختصيها بعد 15 عاماً من التنقيب حيث اكدت بان الادعاء عن وجود الهيكل تحت المسجد الاقصى هو ادعاء لا يدعمه اي حقيقة سوى الخرافة المطلقة وهذه النتيجة توصل اليها تقريباً كل البعثات الاثرية التي كلفت بالتنقيب من قبل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة.
وعلى كل حال وحتى لا نغوص في الجدال التاريخي الذي يثبت حقيقة ان القدس والاقصى وباقي المقدسات لا يمت لها اليهود باي صلة او علاقة يمكن الاعتداء بها تاريخياً. ولهذا يأتي قرار حكومة اسرائيل التي يرأسها بنيامين نتنياهو التآخي بالتقاسم الزمني والمكاني للأقصى بين المسلمين العرب والمستوطنين اليهود في سياق استكمال مؤامرة السيطرة على القدس وهو ما رفضه الشعب الفلسطيني الذي كانت له اكثر من وقفة للتصدي لهذا المشروع الشيطاني الرامي الى تدنيس المقدسات الاسلامية والمسيحية وهو شعب يتسلح بحقه التاريخي والانساني والديني وحتى القانوني الذي اعترفت فيه المحافل الدولية الاممية كمجلس الامن وهيئة الامم المتحدة وكذلك المنظمات الثقافية والعلمية كالانيسكو وغيرها وهي من أجل ذلك أصدرت مئات بل آلاف القرارات التي تمنع اسرائيل وتطالبها بعدم المس بالقدس أو محاولة تغيير معالمها الدينية والتاريخية تحت اي ظرف من الظروف وباعتبارها منطقة محتلة وهو ما لا يعطيه القانون الدولي للدولة المحتلة ولعل القرار رقم 41/162 تحت عنوان عدم شرعية الاجراءات الاسرائيلية في القدس والدعوة لالغائها الى جانب العديد من القرارات المماثلة والتي بلغت المئات والذي نص على: على ان جميع التدابير والاجراءات التشريعية والادارية التي اتخذتها اسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، والتي غيرت أو توخت تغيير طابع ومركز مدينة القدس الشريف، خاصة ما يسمى "القانون الاساسي" المتعلق بالقدس واعلان القدس "عاصمة اسرائيل" لاغية وباطلة ويجب الغاؤها فوراً. ولهذا قررت الأمم المتحدة ما يلي:
1.  تقرر ان قرار اسرائيل فرض قوانيها وولايتها وادارتها على مدينة القدس الشريف قرار غير قانوني ومن ثم فهو لاغٍ وباطل وليست له أي شرعية على الاطلاق.
2. تشجب نقل بعض الدول بعثاتها الدبلوماسية الى القدس، منتهكة بذلك قرار مجلس الامن 478 ( 1980) ورفضها الامتثال لاحكام القرار المذكور.
3. تطلب مرة اخرى الى تلك الدولة ان تلتزم باحكام قرارات الامم المتحدة ذات الصلة وذلك طبقاً لميثاق الأمم المتحدة.
وهذا القرار تبنته الهيئة العامة في جلستها رقم 97، معظم دول العالم والتي بلغت 140 دولة مقابل 3 ضده هي اسرائيل نفسها الى جانب السلفادور، كوستاريكا. وهذا القرار الذي يمنع اسرائيل عن اجراء اي تغيير أو تبديل بمدينة القدس هو ينطبق على باقي الأماكن المقدسة على امتداد فلسطين المحتلة.
واليوم الذي انتفض فيه الشعب الفلسطيني بكافة شرائحه وفئاته دفاعاً، عن القدس والمقدسات متسلحاً بايمانه بحقه التاريخي والديني في انتفاضة أقل ما يقال عنها بأنها مواجهة باللحم الحي ضد آلة العدوان والقتل والارهاب والاجرام المنظم من قبل جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه الوحوش.
فاننا نرى من واجبنا ان ندعو كل الدول العربية والاسلامية الى استعادة السيادة القانونية والدينية على المدينة المقدسة وهو بطبيعة الحال مسؤولية مشتركة بين الجميع وكذلك ندعو كل من يدعي الحرص على المقدسات الاسلامية الى العمل لتحقيق هذا الهدف وهو واجب شرعي وديني لا خلاف عليه ومطالبين فيه في كل زمان ومكان.
وهكذا نرى ان القدس والمقدسات الاسلامية والمسيحية على امتداد فلسطين المحتلة بحاجة الى حماية دولية وهي الاولى بالدعوة الى هذه الحماية وكل الامة الاسلامية وعلى خلاف مؤسساتها وتكوينها مطالبة بهذه الحماية لمنع اسرائيل من هدم اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين قبل فوات الاوان حيث لا ندم.