من يعود بالذاكرة لهزيمة الجيوش العربية وانتصار الجيش الاسرائيلي في حرب حزيران 1967، يمكنه ان يتذكر كيف بدا ضباط وجنود الجيش الاسرائيلي في اوساط المجتمع وعلى المستوى العالمي. كانوا كالطواويس، حيث تعززت مكانتهم في اوساط الشارع الاسرائيلي وداخل المؤسسة الرسمية، وتغنت بهم المؤسسات الغربية خاصة الاميركية، وباتت المدرسة العسكرية الاسرائيلية، تتمتع بمكانة مرموقة في اوساط المدارس العسكرية العالمية، ولها نظريتها، التي تدرس عالميا. ورغم الهزيمة النسبية لاسرائيل في حرب عام 1973 خاصة على جبهة سيناء، إلا ان العار لم يطل مؤسستها العسكرية، لأن شارون تمكن بفتحه ثغرة الدفرسوار في الجبهة المصرية، وايضا قدرة الجيش الاسرائيلي على إفشال هجوم الجيش السوري على جبهة الجولان، ليس هذا فحسب، بل ساهم في المحافظة على هيبة الجيش الاسرائيلي. وعلى صعيد آخر، معارك قوات الثورة الفلسطينية المختلفة مع الجيش الاسرائيلي، ساهمت في التأثير السلبي على نظرية السوبرمان، لكنها على اهميتها في ضرب هيبة الجيش الاسرائيلي، إلآ انها لم تنجح تماما في إلصاق صفة الجبن والعار به، نماذجها: معركة الكرامة في آذار 1968، ومعارك الجنوب اللبناني آذار 1978، والاجتياح الاسرائيلي حزيران 1982 للبنان، وانتفاضة 1987/1993، وبالتالي لم تسقط هيبة وطاووسية جيش السوبرمان الاسرائيلي.

إيراد المؤشرات آنفة الذكر، لا تهدف للمعالجة البحثية للعوامل الذاتية والموضوعية للحروب والمواجهات والانتفاضات ونتائجها، لأن الهدف التذكير بالمحطات، وان كانت محطة حرب الرابع من حزيران 1967 العنوان الابرز لانتشاء وغرور وتبجح منتسبي الجيش الاسرائيلي قيادة وضباطا وجنودا. نعم هذه الصورة تآكلت نسبيا في حرب اكتوبر 73، وفي المواجهة مع قوات الثورة الفلسطينية وفي الانتفاضة الكبرى 87/93، لكنها لم تشرخ، لم تهزم، لم تنكسر كما هي الآن.

الحراك الشعبي الفلسطيني خلال الاسابيع الثلاثة الماضية، كشف بشكل جلي عن فضيحة جيش السوبرمان الاسرائيلي. تهشمت صورته، وبات خرقة ممزقة في نظر الشارع الاسرائيلي، ولم يعد يحتفظ بأي ملمح من الملامح الايجابية، التي تجلت في اعقاب هزيمة العرب عام 1967، فقد كل رصيده، ليس هذا فحسب، وسقط في مستنقع الحثالة والجبن على المستويات الرسمية والاهلية. بعد الذي جرى في الخليل والجندي الاسرائيلي يركض امام شاب فلسطيني، لا يحمل سوى سكين متواضعة، في حين الجندي بكامل سلاحه وعتاده العسكري، ووسط اقرانه من العسكريين المنتشرين كالفطر من حوله. وايضا ما حصل في المحطة المركزية في بئر السبع، حيث ينتشر الضباط والجنود باسلحتهم وذخائرهم، ومع ذلك يهربون كالفئران الضائعة امام شاب فلسطيني تمكن من انتزاع السلاح من عسكري إسرائيلي، واطلق الرصاص عليه وعلى من كانوا في المحطة بمن فيهم منتسبو المؤسسة الامنية الاسرائيلية كلها ومن بينهم ضباط وجنود الجيش "السوبرماني"؟!

ولم يقتصر الامر عند حدود الجيش الاسرائيلي، بل ان الهزيمة لحقت بالمنظومة الامنية الاسرائيلية كلها. فالامن فشل في صيانة امن المجتمع الاسرائيلي، وبات مرعوبا، وترك ذلك آثاره على الشارع الاسرائيلي بكل المستويات وقبله على قطعان المستعمرين، حيث زادت نسبة الطالبين شراء السلاح وترخيصه حوالي 5000%، وهو ما يعني فقدان الامن الشخصي والمجتمعي. اضف الى الاجراءات والجرائم، التي رافقت ذلك، إعادة إحتلال القدس الشرقية، وتقسيم القدس، وقتل الاسرائيليين لبعضهم البعض نتيجة تأصل الهزيمة في وعيهم، وسن القوانين الجائرة قتل لمجرد الاشتباه، وإقرار قانون التفتيش للمواطن العربي، حتى لو لم يكن مشتبها. إلخ من القوانين والاجراءات، التي عكست حالة من الهلع والرعب والفوضى الامنية، ومحصلتها جميعها اندثار وسقوط صفة السوبرمان عن المؤسسة الامنية عموما والجيش خصوصا، ولهذا تداعيات مستقبلية خطرة على الجيش الرابع عالميا، وعلى دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية برمتها.