بقلم: بكر أبوبكر

هل غيرت "حماس" خطابها السياسي والإعلامي إثر غضبة القدس فتقدمت قليلا أم لا؟ أنجيب فنقول نعم أم  ننظر لحماس والتنظيمات الاسلاموية عامة على أنها  تمثل نظاما فكرانيا-سياسيا-تنظيميا مغلقا؟ في الحقيقة فإنه لا يوجد هذه الأيام تنظيم مغلق   مهما حصن نفسه بجدر صلبة، فالجدر الاتصالية قد تحطمت منذ أمد بعيد .

 لقد غيرت "حماس"  خطابها السياسي الاعلامي باعتقادي، وذلك إثر صدمة الكثيرين من قياداتها بعد المفاجاة من #غضبة_القدس التي لم تتوقعها فتمددت الغضبة وانتشرت حتى وصلتها في غزة وفي عقر فكرها (المقاوم عسكريا، والمحصن دينيا كما ترى)، وكانت ظنتها مقتصرة في محيط  مدينة القدس ما يعطيها راحة بإلقاء التبعة على السلطة التي تمنع تمددها بالضفة بالقوة كما كانت تقول تصريحات كثير من نواطقها وقادتها.

  أحرجت غضبة القدس "حماس" وخاصة تيار غزة الممانع للمصالحة أمام جمهوره في غزة أساسا، بل وداخل تيارات "حماس" القلقة، إثر تراجعها المستغرب عن دعم الغضبة أو الانتفاضة ماديا إلا في أبواق الاعلام بالمساحات الواسعة وبوضع شعار (انتفاضة القدس) على فضائياتها.

  استخدمت قيادات "حماس" في غزة في البداية الخطاب المناهض للعدو، وللسلطة وقادتها واجهزتها معا باقتران مثير بل ومعيب منذ سنوات وحتى أيام قليلة مضت (أنظر المصري والبردويل ويحيى موسى...والأشقر)، ثم بدأ عدد من قياداتها فس تتغير الخطاب قليلا قليلا لرؤيتها الاقدام الشبابي في الضفة، بل وفي غزة على الاشتباك من الحدود فأصبح خطابها محيرا ومتناقضا وبدا خطابا مزدوج الاشارة فهي لا تريد العمل العسكري من غزة بتاتا وتحرض عليه بقوة بالضفة! ثم انتقلت لمربع الاقتراب من الغضبة أو الهبة (الشعبية=أي غير العنفية) دون أن تشير صراحة لذلك إلا من خلال الاشارات والتلميحات البعيدة (الجهاد ذكرت بوضوح هبة شعبية أي سلمية غير مسلحة أنظر البطش ونافذ عزام  وغيرهما، حيث قال عزام: من الأفضل أن تظل الانتفاضة بهذا الشكل الجماهيري والشعبي الذي يحرج (إسرائيل)، ويعطي فرصة لشرائح أخرى من شعبنا للانخراط بهذه الهبة وهذه الانتفاضة.)

  "حماس" في المرحلة الثالثة من خطابها الاعلامي إذ تغير تكتيكاتها هذه تتوارى فيها بعض الشخصيات الفضائية المعروفة بتحريضاتها ضد السلطة تحديدا، وضد حركة فتح من برنامجها الفتنوي الاسبوعي على القنوات الفضائية، وتصبح الكوفية وأناشيد وبيانات حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح في فضائيات "حماس" وللمرة الاولى منذ انقلاب "حماس" على غزة عام 2007 تصبح إشارات تبدو ذات طابع وطني هام ما نقدره ونحترمه، ففلسطين لنا جميعا وكذلك كوفية الختيار.

 ينظر البعض للتغيرات الدراماتيكية في خطاب "حماس" بمحبة واحتضان وتقدير-ونحن من أولئك- مفترضا أن "حماس" تقترب من الكل الوطني، وينظر لها الآخر بتشكك من أنها عبارة عن عملية تعمية وتغطية على أهداف أخرى في آلية أسماها البعض استراتيجية "الإلهاء والتركيز" بمعنى الالهاء عن أهدافها الحقيقية في غزة بتحصينها من الهزات الداخلية، والتركيز على القفز امام الآخرين بالتحريض العنفي في الضفة.

 رأى هؤلاء المحللين بوضوح أن هدف "حماس" دفع قيادة حركة "فتح" بالضفة للانزلاق في العمل العنفي غير المتكافيء، وما هو ضد دعوات الرئيس والحركة للمقاومة الشعبية غير العنفية، فإن تم ذلك الانزلاق تربح "حماس" وان لم يتم تكون قد زرعت بذور التشكك والغضب والثورة لدى الأجهزة والكوادر بجدوى الحجر فقط، فينقلبون على أنفسهم وقادتهم آجلا ام عاجلا.

  أما أولئك المحللين من الطبقة الثالثة، الطبقة المغلقة فلا يرون أملا من تنظيم باع ذاته للمحور الاقليمي الذي ترعاه قطر وتركيا و"الاخوان المسلمين" الذين يجدون بمملكة غزة المساحة الوحيدة التي مازال الاخوان المسلمين يحتفظون بها بموطيء قدم لذا فإن عشرات المحطات والقنوات والصحف وآلاف المواقع تجند لهم مع الملايين المتدفقة، لا سيما وان "حماس" ويا للمفاجأة ستفتح قناة رائية (تلفزية) جديدة!

 بلا جدال أن خطاب "حماس" قد تغير خلال أيام بسرعة الصاروخ من السياق التخويني الذي يلقي كل الملامة على السلطة وتخوين أجهزتها بوضوح (أجهزة التخابر الأمني أجهزة دايتون/ العملاء/مجرمو التنسيق الامني/الخون/ قتالهم أولى من اليهود....أو كما يصر الزهار حتى في عز الغضبة أو الانتفاضة 16/10/2015 للتأكيد :"نحن ابرياء من هذا التعاون الامني من الاجهزة الامنية المتعاونه مع العدو".) الى اعتباره كوادر الاجهزة الامنية تقود طريق المجد القادم بدفعهم للاشتباك العسكري المباشر في الضفة فقط ، باعتبار ذلك صك غفران لهم كما قال اسماعيل الأشقر! وكي لا تسرق منهم غزة الأضواء كما قال أبومرزوق.

  تغير خطاب "حماس" الاعلامي بالطلب المباشر لإبعاد غزة كليا عن العمل العسكري حيث منع إطلاق الصواريخ أو حتى أي طلقة عبر الحدود (أنظر أبومرزوق والمصري..) بل والطلب بعدم التظاهر على الحدود مع غزة، ثم انتقل الخطاب درجة واسعة للإمام باعتماد الرموز ومنه الكوفية كما أشرنا –نرجو أن يكون ذلك دائما وليس هبة- في فضائياتها، ورغم العقل الحزبي الذي يحاول الفوز بأي حركة يقوم بها وهو الذي دعا "حماس" لعمل مهرجان في جباليا-غزة (الجمعة 16/10/2015) حيث عنونته باسم تنظيمي "حماس" و"الجهاد" فقط  دون الفصائل الاخرى كلها، ولم يحضره الا العدد الضئيل الصادم الذي جعل معلق قناة (فلسطين اليوم) في حرج شديد من العدد، نقول رغم ذلك فإن أمل التغيير الحقيقي هذا اوانه.

إن النقلة التي حصلت في  خطاب "حماس"  الاعلامي على الأقل باتجاهها نحو الكل الوطني (حسن يوسف: هناك توافق بين جميع الفصائل بما فيها حركة فتح حول برنامج مواجهة الاحتلال)، ومد يدها كما أوضحها البعض، والدعوة ل"كلمة سواء" اكان ذلك ظاهريا ام ظاهريا وباطنيا، وبرفع شعار أن أي "تشابك سياسي في هذه المرحلة يحقق للاحتلال ما يريده" كما قال حسام بدران، ورفع شعار لنكن معا ضد "الاحتلال الذي يحاربنا مجتمعاً" هو شعار يستجيب لطروحات حركة فتح التي بح صوتها بذلك ، وهو شعار يجب أن نعمل معا على تقويته وعلى احتضانه وعلى فتح مختلف القنوات معه ليكون بداية في ترسيخ المنهج الوطني الفلسطيني عامة، وفقنا الله وأياكم سواء السبيل.