أَما آن لهذا الصفيح أن يبرد ؟!، وأن تنتقل المنطقة إلى عهد جديد، يرى الكثيرون أن القضية الفلسطينية قد تراجعت مكانتها على المستويين العربي والدولي، بسبب توالي الأزمات الدولية، الإقليمية والقارية والعالمية، من سياسية إلى إقتصادية، فاقت حدتها وتهديدها للسلام العالمي تهديد القضية الفلسطينية له، ولكن وفي حقيقة الأمر، إذا أردنا أن ننظر إلى حقيقة أسباب عدم الإستقرار على الأقل الذي تشهده المنطقة العربية، والشرق أوسطية بصفة عامة، سنجد أن فلسطين وقضيتها في القلب منها دائماً، مهما علت حدة بعضها، وتنامت بفعل العوامل المشتركة الداخلية والخارجية في تفجير الأوضاع في المنطقة، وفي دول معينة بعينها من الدول العربية، نجد أن عامل الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية كامنة في لب تلك العوامل الدافعة للقلق وإثارة النزاعات والصراعات، حتى ولو من باب التوظيف، وقد يتبادر للذهن أن القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي الذي مضى عليه سبعة عقود قد أدمنته المنطقة والعالم، وأنه من الممكن أن يبقى في حالة تبريد وجمود وسكون لعقود أخرى، يجري خلالها التعايش معه، وإبقاءه في منطقة التريث والتسويف والإنتظار، وتوفير الوقت والإمكانيات وتوجيه الجهود لمعالجة الأزمات الأكثر إلتهاباً في دول المنطقة فقط، من سوريا إلى ليبيا إلى العراق إلى اليمن إلى مصر، إلى مواجهة التحدي والتمدد الإيراني، الذي بات مقلقاً لجميع الدول العربية في المنطقة، خصوصاً بعد توقيع الإتفاق النووي الإيراني ومع إقتراب موعد سريانه وبدء رفع العقوبات عن إيران، ما سيوفره للأخيرة من إمكانيات مادية ووفرة مالية تمكنها من مضاعفة إنفاقها على أدواتها وأذرعها، الممتدة في العديد من دول المنطقة، خصوصاً أنه قد بات واضحاً أن الإتفاق المشار إليه لم يربط بين رفع العقوبات المفروضة على إيران ووقف تدخلاتها في دول المنطقة، وزعزعت الإستقرار فيها، وتبقى فلسطين وقضيتها إحدى البوابات التي قد تنفذ من خلالها بالإضافة إلى البوابة الطائفية، التي ما انفكت إيران عن إستخدامها منذ سقوط نظام الشاه، وسعيها لإستغلال هذا البعد الطائفي في التأثير في الشأن العربي، إن تكريس الوحدة الوطنية، وإعلاء شأن الوطن، ووحدته ووحدة الدولة، وإحترام المواطنة، وإعلاء شأن المواطن، على أساس هذه الصفة هي التي تحدد وتحكم العلاقة بين المواطن والدولة، إنها الوسيلة الوحيدة الناجعة لسد هذه البوابة الطائفية، أمام التدخلات الإيرانية المبنية على أسس طائفية مقيتة تسعى لتمزيق نسيج المجتمع وتهديد وحدة الدولة، والنموذج الماثل أمامنا في العراق فلا خروج من أزماته إلا بإعادة تشكيل الوعي الوطني العراقي، الجامع لكل مكونات العراق، الإثنية والطائفية، وإسقاط النخب الطائفية التي تتحكم في مقدرات العراق، والتي أتت على ما تبقى من دولة العراق الموحدة بعد الإحتلال الأمريكي والهيمنة والنفوذ الإيراني، وقد أدرك الشعب العراقي من خلال إنتفاضته الجارية التي خرجت إلى الميادين، أن لا خلاص للعراق من أزماته المختلفة وضمان سيادته وإستعادة وحدته إلا  بإندحار القوى الطائفية والإثنية، لصالح الوعي الوطني الجامع والموحد والقادر على إستعادة الدولة الموحدة وإستعادة دورها المفقود، حينها فقط ينتصر العراق على قوى الإرهاب التي فتكت به وبوحدته، وتنامت على حساب غياب الوعي الوطني، وما ينطبق على العراق ينطبق أيضاً على سوريا وعلى اليمن وبقية الدول التي تئن تحت مطرقة الطائفية، التي عملت إيران على توظيفها في مد نفوذها فيها.
والقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، يمثل البوابة الأساس لزعزعة الإستقرار والأمن في دول المنطقة، إن إستمرار الكيان الصهيوني بسياساته القائمة على مواصلة سياسة التوسع والإستيطان، وإنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه، من حق العودة إلى حق تقرير المصير والدولة المستقلة، يمثل مدخلاً هاماً وسبباً رئيسياً في إستمرار حالة التوتر، وعدم الإستقرار في دول الجوار ودول المنطقة، تتغذى منه قوى الإرهاب من جهة، كما الدول الطامعة في مد نفوذها وهيمنتها على دول المنطقة من جهة أخرى، ومن أجل إستعادة الأمن والإستقرار لدول المنطقة وضمان وحدتها، ووقف التدخلات الخارجية، وإسقاط الذرائعية التي تتذرع بها بعض القوى الإرهابية، لابد أن تعيد دول المنطقة حساباتها، وكذلك الدول المؤثرة في صناعة الأمن والإستقرار والسلم الدولي بشأن القضية الفلسطينية، وكما فعلت مع موضوع النووي الإيراني، إذ إتحدت دول الشرق والغرب في معادلة النووي الإيراني (في مفاوضات جادة مع إيران 5+1) وتوصلت إلى الإتفاق بشأنه، يمكن لهذه الصيغة أيضا أن تطبق على القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وإخراج هذه القضية من مظلة الهيمنة الأمريكية المنحازة لصالح الكيان الصهيوني، والتي إنفردت بها لعقود طويلة، وأدخلتها إلى نفق مظلم دون التوصل لحل لها، بل إزدادت تعقيداً، وأوصلت الوضع الراهن إلى طريق مسدود، لا يستطيع معه الشعب الفلسطيني وقيادته الإستمرار به، كما لا تستطيع دول المنطقة الإستمرار تحت تأثيراته وتهديداته المستمرة، وإستمرار الكيان الصهيوني في بناء ترسانته العسكرية وفرض تفوقه عليها وإنفراده بمظلة نووية تهدد أمن المنطقة بأسرها.
لن تهدأ المنطقة، ولن تشهد إستقراراً حقيقياً وسلاماً حقيقياً، يتيح لها النمو وإعادة البناء والتقدم والإستقرار، دون حل لهذا الصراع، وتسوية عادلة للقضية الفلسطينية تكفل للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في العودة، وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة، وبناء مستقبله بحرية، شأنه شأن بقية شعوب المنطقة، وإلا سوف تبقى المنطقة برمتها وفلسطين منها خاصة تعيش على صفيح ساخن وحالة من عدم الإستقرار، فهل تدرك ذلك القوى الفاعلة الإقليمية والدولية هذه الأبعاد، وتعمل مجتمعة ومتحدة وجادة، من أجل مكافحة مصادر الإرهاب وإزالة أسباب عدم الإستقرار، جنباً إلى جنب في معركتها مع قوى الإرهاب والتطرف، من أجل أن يعم السلام والإستقرار في المنطقة وفلسطين ؟!!!