دخلت الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 الربع ساعة الأخيرة، ولم يبقَّ سوى 24 ساعة على تصاعد الدخان الأبيض وإعلان الفائز، في الانتخابات الأهم والأكثر استقطابًا وتنافسًا بين المرشحين المركزيين دونالد ترامب الجمهوري وكامالا هاريس الديمقراطية، لما لها من تداعيات على مستقبل الولايات المتحدة في ظل التحديات التي تواجهها نتاج الانزياحات الجيوسياسية العالمية لإعادة تشكل المنظومة العالمية وبناء عالم جديد متعدد الأقطاب، وسحب البساط كليًا من تحت أقدام واشنطن، التي ما زالت حتى اللحظة المعاشة تستأثر بمكانة القطب الوحيد، وبالقرار السياسي العالمي في المحافل الدولية، وفي قارات الكرة الأرضية، فضلاً عن الأزمات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية وخاصة ملف الإجهاض والتأمين الصحي والهجرة ومستقبل الديمقراطية الأميركية.
وفي سباق محتدم مع الدقائق والساعات الأخيرة من الحملة الانتخابية لكلا المرشحين، برز صوت الجاليات العربية والإسلامية ليحتل لأول مرة في تاريخ الانتخابات الأميركية، باعتباره بيضة القبان، رغم أن نسبتهم لا تزيد عن 1% من سكان الولايات المتحدة، حيث تشتد المنافسة على استقطابه وخاصة في الولايات الخمس المؤثرة في أصوات المجمع الانتخابي، وتحديدًا في ولاية ميشيغان، التي حصد فيها الرئيس بايدن في انتخابات 2020 الأصوات التي رجحت فوزه، كونها تعتبر الحاضنة للأغلبية العربية والإسلامية، الذين يتمركزون في مدينة ديربورن التابعة للولاية.
وتحتل حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني عمومًا وفي قطاع غزة خصوصًا، وامتدادها للحرب المفتوحة على الشعب اللبناني الشقيق مكانة هامة في العملية الانتخابية، حيث عبر العرب والمسلمون عن سخطهم وغضبهم من سياسات الإدارة الديمقراطية الحالية بقيادة بايدن الذي لم يتوقف عن تقديم كل أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري والأمني والمالي والإعلامي لحكومة نتنياهو فوق الفاشية حتى اللحظة الراهنة.
فضلاً عن أن، كلا المرشحين حاولا ويحاولان حتى الثانية الأخيرة من الحملة استقطاب الأصوات العربية والإسلامية، ولكن هناك حالة من التوترات السياسية القوية بين الأميركيين من أصول عربية وإسلامية، بسبب استيائهم وسخطهم من سياسات كل من الحزبين ومرشحيهما، ولهذا يسعى الرئيس ترامب لزيادة نسبة المصوتين العرب والمسلمين له، وكان قد زار يوم الجمعة مدينة ديربورن والتقى بنحو مئة شخصية في أحد مطاعم المدينة بهدف استمالتهم لصالحه، ووعدهم بوقف الحرب في قطاع غزة ولبنان، وحاول تضليلهم بهذا التوجه، وتناسى بعضهم أنه، هو الذي صادق على صفقة القرن واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس العاصمة الفلسطينية، وحاصر السلطة الفلسطينية، وسعى بشكل حثيث لتصفية ملف اللاجئين الفلسطينيين، وهو ذاته الذي وعد المليارديرة ميريام أديلسون ونتنياهو أثناء لقائه معهما في تموز/يوليو الماضي بتوسيع مساحة دولة إسرائيل على حساب دولة فلسطين المحتلة والدول العربية المحيطة بها.
كما أن هاريس نائبة الرئيس الأميركي الحالي، لم تتخذ أي قرار ضد تسليح إسرائيل، وما زالت تنادي بذات الموقف الأميركي "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها"، ورفضت في مؤتمر الحزب الديمقراطي في آب/أغسطس الماضي اللقاء مع ممثلي العائلات الفلسطينية الثكلى، والتي عاشت فظاعة وهول الإبادة الجماعية، وسقط العديد من أبنائها ضحايا الفاشية الإسرائيلية، في الوقت الذي إلتقت فيه ممثلي العائلات الإسرائيلية، وأعطاهم القائمون على المؤتمر حق الإدلاء بموقفهم، ومنعوا ممثلي الجالية الفلسطينية والعربية من التعبير عن موقفهم، ليس هذا فحسب، بل رفضت المرشحة الديمقراطية اللقاء معهم، وبالتالي مواقفها الداعية لوقف الحرب، واستخدام جملة سياسية إيجابية نسبيًا لصالح الحقوق الفلسطينية، لم تغير من جوهر موقفها تجاه الصراع الدائر، ولم تعد بموقف حاسم وواضح من التغول والوحشية الفاشية الإسرائيلية.
ورغم تصريح الإمام بلال الزهيري المتسرع باعتبار ترامب، مرشح "السلام" بعد اللقاء في مطعم عباس في مدينة ديربورن، وأنهم كمسلمين يدعمون ترامب، الذي وعد بإنهاء الحرب في الشرق الأوسط وأوكرانيا، إلا أن حالة التوتر في صفوف الجاليات العربية والإسلامية ما زالت متواترة، وهناك حالة من رفض التصويت لكلا المرشحين ترامب وهاريس، وتميل كفة التصويت لصالح المرشحة المستقلة جيل ستاين، رغم حظوظها الضئيلة في الانتخابات، بيد أن التصويت لها سينعكس سلبًا على التصويت لصالح هاريس، ومن الممكن أن يؤثر على فوزها. وأيًا كانت النتائج، فإن الصوت العربي الإسلامي بات عاملاً حاسمًا في اللعبة الديمقراطية الأميركية، وهو ما يفرض عليهم تعزيز دورهم ومكانتهم في المشهد الأميركي، باعتبارهم قوة مؤثرة وحاسمة.
بالنتيجة ما هي الاحتمالات الممكنة أمام المرشحين الأبرز كامالا هاريس الديمقراطية ودونالد ترامب الجمهوري، أعتقد أن المرشحة الديمقراطية ستحظى بأغلبية نسبية ومحدودة على منافسها المرشح الجمهوري في حصد الأصوات وفي المجمع الانتخابي، ولكن بفارق بسيط ومحدود جدًا. لا سيما أن نتائج استطلاعات الرأي تشير بشكل واضح إلى تفاوت ضيق جدًا بفارق نقطة أو نقطتين بينهما، وإن غدًا لناظره قريب.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها