نرى بدقة العاملين على تشويه صورة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية "فتح"، وكذلك صورة قياداتها المخلصة الصادقة الحكيمة، الذين يستحضرون إلى المشاهد الإعلامية المصممة في غرف أركان أجهزة استخبارات منظومة الاحتلال، وخلاصة تفوهاتهم المشؤومة، هي إظهار الحوارات والنقاشات والمباحثات بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس وكأنها مفاوضات على (الحصة الأكبر من سلطة الحكم في غزة، بينما هي في الحقيقة محاولات بلا يأس من قيادة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، لإقناع قيادات حماس، بضرورة أخذ مصالح الشعب الفلسطيني العليا فوق كل اعتبار، وعدم منح منظومة الاحتلال ذرائعًا جديدة لتبرير الاستمرار بحملة الإبادة الدموية التدميرية المتصاعدة، وأن اليوم التالي يجب أن يكون فلسطينيًا وطنيًا شرعيًا رسميًا معترف به من دول العالم كافة، لا تعارضه حتى اللحظة إلا دولة الاحتلال والإبادة "إسرائيل"، وأن منطق الدولة لا يسمح بأخذ مصير الشعب والوطن وفق أجندات حزبية، وأن أي اغتصاب لدور الدولة والشرعيات الوطنية، يعود بالفائدة على منظومة الاحتلال "إسرائيل"، وعلى قادة حماس العلم أن دول العالم قد حسمت أمرها، بألا تتعامل إلا مع دولة فلسطين، ومنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لذا فإن اللحظة التاريخية تتطلب نكرانًا للذات الفئوية الحزبية، والتطلع لحفظ دماء وأرواح وكرامات أكثر من مليوني مواطن فلسطيني في قطاع غزة، يعيشون مآسي ومعاناة نكبة غير مسبوقة في تاريخ الشعب الفلسطيني، بشهادة منظمات أممية وحقوقية عالمية. وأن اليوم التالي سيكون جزءًا لا يتجزأ من قرارات دولية، ستقضي جميعها إلى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، القاضية باستقلال دولة فلسطين باعتباره هدفًا وطنيًا، بات محل اجماع فلسطيني، وأن حماس قد تعهدت "بألا تعارض دولة فلسطينية مستقلة إذا قامت على حدود الرابع من حزيران سنة 1967".
ما زالت ذاكرتنا تحفظ: أن فصل قطاع غزة عن دولة فلسطين، ومنع قيام دولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران لسنة 1967، كان الهدف الرئيس لمنظومة الاحتلال "إسرائيل" التي عمدت إلى غض الطرف عن انقلاب حماس سنة 2007، وتمهيد السبل عبر أجهزتها الأمنية الرسمية لإيصال الأموال تحت إشراف رسمي من أعلى مستوى في حكومة بنيامين نتنياهو، الذي قال يومًا ردًا على انتقادات من قيادات وكوادر في حزب الليكود الذي يرأسه: "من يريد رؤية دولة فلسطينية في الضفة وغزة والقدس، عليه ألا يسألني لماذا نسمح بوصول الأموال بالحقائب وغيرها إلى حماس في غزة"، وليس غريبًا أن الأموال التي تحدث عنها نتنياهو هي ذاتها التي يقولون اليوم أن حماس صرفتها على إنشاء الأنفاق وتصنيع قذائف صاروخية وغيرها.
أما الآن وبعد انتهاء صلاحية خدمات جماعة الإخوان المسلمين في كل البلاد العربية، تقرر - حسب الأهداف الثابتة حتى اللحظة لدى حكومة الصهيونية الدينية - ضرب قدرات حماس التي بنيت تحت عين وبصر الشاباك والموساد والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وإنشاء بديل يتولى مهمة اليوم التالي، دون المساس بأهداف حملة الإبادة الدموية التدميرية وذروتها في قطاع غزة، التي كانت ذريعتها السابع من أكتوبر 2023، وأول هذه الأهداف منع قيام دولة فلسطينية حسب القرار الأممي 19/67 الصادر عام 2012 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتوازي نسف جوهر الحق الفلسطيني "قضية اللاجئين الفلسطينيين" ثم تنفيذ مخطط إعادة تشكيل الاحتلال والاستعمار الاستيطاني في كل فلسطين التاريخية والطبيعية، وفي أراضي الدول العربية المجاورة. ما يسهل عملية التهجير القسري للشعب الفلسطيني، وتحقيق هدف الوطن البديل على حساب المملكة الأردنية الهاشمية، وفرض أمر واقع على بلاد عربية ومنها مصر العربية، وبذلك يتم القضاء – حسب خططهم وتقديراتهم – على أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية. هذا على صعيد مقومات قيام الدولة، أما الهدف الرئيس على صعيد الإنسان الفلسطيني، فهو نسف مقومات الشخصية الوطنية على المستويين الفردي والجمعي، وتفريغها من الانتماء الوطني، وتجفيف وتبخير الأمل بالتحرر والحرية والاستقلال.
لن يكون اليوم التالي إلا فلسطينيًا وطنيًا، فقط سقطت المشاريع الفئوية المرتبطة بأجندات دول وقوى خارجية، ولم يبق على وجه أرض فلسطين إلا المشروع الوطني المحفوظ في عقول وإرادة الوطنيين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها